للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ الْجَزَاءُ مُرَتَّبًا عَلَى ذَلِكَ الشَّرْطِ، لَكِنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا قَالَ: مَنْ دَخَلَ دَارِي أَكْرَمْتُهُ أَنَّهُ يَحْسُنُ أَنْ يُكْرِمَ كُلَّ مَنْ دَخَلَ دَارَهُ فَعَلِمْنَا أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ لَيْسَتْ لِلْخُصُوصِ، وَأَمَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ/ تَكُونَ مَوْضُوعَةً لِلِاشْتِرَاكِ، أَمَّا أَوَّلًا: فَلِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ خِلَافُ الْأَصْلِ، وَأَمَّا ثَانِيًا: فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا عُرِفَ كيفية ترتب الْجَزَاءِ عَلَى الشَّرْطِ إِلَّا بَعْدَ الِاسْتِفْهَامِ عَنْ جَمِيعِ الْأَقْسَامِ الْمُمْكِنَةِ مِثْلَ أَنَّهُ إِذَا قَالَ: مَنْ دَخَلَ دَارِي أَكْرَمْتُهُ، فَيُقَالُ لَهُ: أَرَدْتَ الرِّجَالَ أَوِ النِّسَاءَ، فَإِذَا قَالَ: أَرَدْتُ الرِّجَالَ يُقَالُ لَهُ: أَرَدْتَ الْعَرَبَ أَوِ الْعَجَمَ، فَإِذَا قَالَ: أَرَدْتُ الْعَرَبَ يُقَالُ لَهُ: أَرَدْتَ رَبِيعَةَ أَوْ مُضَرَ وَهَلُمَّ جَرًّا إِلَى أَنْ يَأْتِيَ عَلَى جَمِيعِ التَّقْسِيمَاتِ الْمُمْكِنَةِ، وَلَمَّا عَلِمْنَا بِالضَّرُورَةِ مِنْ عَادَةِ أَهِلِ اللِّسَانِ قُبْحَ ذَلِكَ عَلِمْنَا أَنَّ الْقَوْلَ بِالِاشْتِرَاكِ بَاطِلٌ. وَثَانِيهَا: أَنَّهُ إِذَا قَالَ: مَنْ دَخَلَ دَارِي أَكْرَمْتُهُ حَسُنَ اسْتِثْنَاءُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْعُقَلَاءِ مِنْهُ وَالِاسْتِثْنَاءُ يُخْرِجُ مِنَ الْكَلَامِ مَا لَوْلَاهُ لَوَجَبَ دُخُولُهُ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا نِزَاعَ فِي أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنَ الْجِنْسِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يَصِحُّ دُخُولُهُ تَحْتَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، فَإِمَّا أَنْ يُعْتَبَرَ مَعَ الصِّحَّةِ الْوُجُوبُ أَوْ لَا يُعْتَبَرَ وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ، أَمَّا أَوَّلًا: فَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَبْقَى بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ مِنَ الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ كَقَوْلِهِ:

جَاءَنِي الْفُقَهَاءُ إِلَّا زَيْدًا وَبَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ مِنَ الْجَمْعِ الْمُعَرَّفِ كَقَوْلِهِ: جَاءَنِي الْفُقَهَاءُ إِلَّا زَيْدًا فَرْقٌ لِصِحَّةِ دُخُولِ زَيْدٍ فِي الْكَلَامَيْنِ، لَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ. وَأَمَا ثَانِيًا: فَلِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنَ الْعَدَدِ يُخْرِجُ مَا لَوْلَاهُ لَوَجَبَ دُخُولُهُ تَحْتَهُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ هَذَا فَائِدَةَ الِاسْتِثْنَاءِ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ لِأَنَّ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ الدَّاخِلِ عَلَى الْعَدَدِ وَبَيْنَ الدَّاخِلِ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْأَلْفَاظِ، فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يُخْرِجُ مِنَ الْكَلَامِ مَا لَوْلَاهُ لَوَجَبَ دُخُولُهُ فِيهِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صِيغَةَ «مَنْ» فِي مَعْرِضِ الشَّرْطِ لِلْعُمُومِ، وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَنْزَلَ قَوْلَهُ: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ [الْأَنْبِيَاءِ: ٩٨] الْآيَةَ قَالَ ابْنُ الزِّبَعْرَى: لَأَخْصِمَنَّ مُحَمَّدًا ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَلَيْسَ قَدْ عُبِدَتِ الْمَلَائِكَةُ أَلَيْسَ قَدْ عُبِدَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ فَتَمَسَّكَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ وَالنَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ ذَلِكَ «١» ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ تُفِيدُ الْعُمُومَ. النَّوْعُ الثَّانِي: مِنْ دَلَائِلِ الْمُعْتَزِلَةِ: التَّمَسُّكُ فِي الْوَعِيدِ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ الْمُعَرَّفَةِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَهِيَ فِي آيَاتٍ. إِحْدَاهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ [الِانْفِطَارِ: ١٤] وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَاضِيَ وَالْجُبَّائِيَّ وَأَبَا الْحَسَنِ يَقُولُونَ: إِنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ تُفِيدُ الْعُمُومَ، وَأَبُو هَاشِمٍ يَقُولُ: إِنَّهَا لَا تُفِيدُ الْعُمُومَ، فَنَقُولُ: الَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لِلْعُمُومِ وُجُوهٌ. أَحَدُهَا: أَنَّ الْأَنْصَارَ لَمَّا طَلَبُوا الْإِمَامَةَ احْتَجَّ عَلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ»

وَالْأَنْصَارُ سَلَّمُوا تِلْكَ الْحُجَّةَ وَلَوْ لَمْ يَدُلَّ الْجَمْعُ الْمُعَرَّفُ بِلَامِ الْجِنْسِ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ لَمَا صَحَّتْ تِلْكَ الدَّلَالَةُ، لِأَنَّ قَوْلَنَا:

بَعْضُ الْأَئِمَّةِ مِنْ قُرَيْشٍ لَا يُنَافِي وُجُودَ إِمَامٍ مِنْ قَوْمٍ آخَرِينَ. أَمَّا كَوْنُ كُلِّ الْأَئِمَّةِ مِنْ قُرَيْشٍ يُنَافِي كَوْنَ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ مِنْ غَيْرِهِمْ،

وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ لَمَّا هَمَّ بِقِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ: أَلَيْسَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»

احْتَجَّ عَلَى أَبِي بَكْرٍ بِعُمُومِ اللَّفْظِ ثُمَّ لَمْ يَقُلْ أَبُو بَكْرٍ وَلَا أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ: إِنِ اللَّفْظَ لَا يُفِيدُهُ بَلْ عَدَلَ إِلَى الِاسْتِثْنَاءِ،

فَقَالَ إِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: «إِلَّا بِحَقِّهَا»

وَإِنْ كَانَ الزَّكَاةُ مِنْ حَقِّهَا، وَثَانِيهَا: / أَنَّ هَذَا الْجَمْعَ يُؤَكَّدُ بِمَا يَقْتَضِي الِاسْتِغْرَاقَ، فَوَجَبَ أَنْ يُفِيدَ الِاسْتِغْرَاقَ، أَمَّا أَنَّهُ يُؤَكَّدُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ [ص: ٧٣] وَأَمَّا أَنَّهُ بَعْدَ التَّأْكِيدِ يَقْتَضِي الِاسْتِغْرَاقَ، فَبِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا أَنَّهُ مَتَى كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ كَوْنُ الْمُؤَكَّدِ فِي أَصْلِهِ لِلِاسْتِغْرَاقِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ مسماة بالتأكيد


(١) الرواية المشهورة
أنه عليه الصلاة والسلام أنكر عليه قوله هذا وقال له: ما أجهلك بلغة قومك «ما» لما لا يعقل.