حَرْفِ الشَّرْطِ فِي الْمَعْنَى إِخْرَاجُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْجُمْلَتَيْنِ عَنْ كَوْنِهَا جُمْلَةً مُسْتَقِلَّةً، فَإِذَا قُلْتَ: مَنْ، وَإِنْ، لَا يُمْكِنُ إِخْرَاجُ الْجُمْلَةِ الْأُولَى عَنْ كَوْنِهَا جُمْلَةً بَعْدِ وُقُوعِهَا جُمَلٌ، لِيُعْلَمَ أَنَّ حَرْفَهَا أَضْعَفُ مِنْ عَمَلِ الْمَعْنَى لِتَوَقُّفِهِ عَلَى/ عَمَلِهِ مَعَ أَنَّ الْمَعْنَى أَمْكَنَ فَرْضُهُ مُتَقَدِّمًا وَمُتَأَخِّرًا، وَعَمَلُ الْأَفْعَالِ عَمَلٌ مَعْنَوِيٌّ، وَعَمَلُ الْحُرُوفِ عَمَلٌ مُشَبَّهٌ بِالْمَعْنَى، إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ فِي قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى [يُوسُفَ: ٢٤] قَالَ بَعْضُ الْوُعَّاظِ مُتَعَلِّقٌ بِلَوْلَا، فَلَا يَكُونُ الْهَمُّ وَقَعَ مِنْهُ، وَهُوَ بَاطِلٌ لِمَا ذَكَرْنَا، وَهُنَا أَدْخَلُ فِي الْبُطْلَانِ، لِأَنَّ الْمُتَقَدِّمَ لَا يَصْلُحُ جَزَاءً لِلْمُتَأَخِّرِ، فَإِنَّ مَنْ قَالَ: لَوْ تَعْلَمُونَ إِنَّ زَيْدًا لَقَائِمٌ، لَمْ يَأْتِ بِالْعَرَبِيَّةِ، إِذَا تَبَيَّنَ هَذَا فَالْقَوْلُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يُقَالَ: الْجَوَابُ مَحْذُوفٌ بِالْكُلِّيَّةِ لَمْ يُقْصَدْ بِذَلِكَ جَوَابٌ، وَإِنَّمَا يُرَادُ نَفْيُ مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ لَوْ، وَكَأَنَّهُ قَالَ: وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَا تَعْلَمُونَ، وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ لَوْ تُذْكَرُ لِامْتِنَاعِ الشَّيْءِ لِامْتِنَاعِ غَيْرِهِ، فَلَا بُدَّ مِنَ انْتِفَاءِ الْأَوَّلِ، فَإِدْخَالُ لَوْ عَلَى تَعْلَمُونَ أَفَادَنَا أَنَّ عِلْمَهُمْ مُنْتَفٍ، سَوَاءٌ عَلِمْنَا الْجَوَابَ أَوْ لَمْ نَعْلَمْ، وَهُوَ كَقَوْلِهِمْ فِي الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي فُلَانٌ يُعْطِي وَيَمْنَعُ، حَيْثُ لَا يُقْصَدُ بِهِ مَفْعُولٌ، وَإِنَّمَا يُرَادُ إِثْبَاتُ الْقُدْرَةِ، وَعَلَى هَذَا إِنْ قِيلَ: فَمَا فَائِدَةُ الْعُدُولِ إِلَى غَيْرِ الْحَقِيقَةِ، وَتَرْكِ قَوْلِهِ: إِنَّهُ لَقَسَمٌ وَلَا تَعْلَمُونَ؟ فَنَقُولُ: فَائِدَتُهُ تَأْكِيدُ النَّفْيِ، لِأَنَّ مَنْ قَالَ: لَوْ تَعْلَمُونَ كَانَ ذَلِكَ دَعْوَى مِنْهُ، فَإِذَا طُولِبَ وَقِيلَ: لِمَ قُلْتَ إِنَّا لَا نَعْلَمُ يَقُولُ: لَوْ تَعْلَمُونَ لَفَعَلْتُمْ كَذَا، فَإِذَا قَالَ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ: لَا تَعْلَمُونَ كَانَ مُرِيدًا لِلنَّفْيِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَقُولُ: إِنَّكُمْ لَا تَعْلَمُونَ قَوْلًا مِنْ غَيْرِ تَعَلُّقٍ بِدَلِيلٍ وَسَبَبٍ وَثَانِيهِمَا: أَنْ يَكُونَ لَهُ جَوَابٌ تَقْدِيرُهُ: لَوْ تَعْلَمُونَ لَعَظَّمْتُمُوهُ لَكِنَّكُمْ مَا عَظَّمْتُمُوهُ، فَعُلِمَ أَنَّكُمْ لَا تَعْلَمُونَ، إِذْ لَوْ تَعْلَمُونَ لَعَظُمَ فِي أَعْيُنِكُمْ، وَلَا تَعْظِيمَ فَلَا تَعْلَمُونَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إِنْ قِيلَ قَوْلُهُ: لَوْ تَعْلَمُونَ هَلْ لَهُ مَفْعُولٌ أَمْ لَا؟ قُلْنَا: عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا مَفْعُولَ لَهُ، كَمَا فِي قَوْلِهِمْ: فُلَانٌ يُعْطِي وَيَمْنَعُ، وَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا عِلْمَ لَكُمْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: لَا عِلْمَ لَكُمْ بِعِظَمِ الْقَسَمِ، فَيَكُونُ لَهُ مَفْعُولٌ، وَالْأَوَّلُ أَبْلَغُ وَأَدْخَلُ فِي الْحُسْنِ، لِأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا أَصْلًا لِأَنَّهُمْ لَوْ عَلِمُوا لَكَانَ أَوْلَى الْأَشْيَاءِ بِالْعِلْمِ هَذِهِ الْأُمُورُ الظَّاهِرَةُ بِالْبَرَاهِينِ الْقَاطِعَةِ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ: صُمٌّ بُكْمٌ [الْبَقَرَةِ: ١٨] وَقَوْلِهِ: كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ [الْأَعْرَافِ: ١٧٩] وَعَلَى الثَّانِي أَيْضًا يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: لَوْ كَانَ لَكُمْ عِلْمٌ بِالْقَسَمِ لَعَظَّمْتُمُوهُ وَثَانِيهِمَا: لَوْ كَانَ لَكُمْ عِلْمٌ بِعَظَمَتِهِ لَعَظَّمْتُمُوهُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: كَيْفَ تَعَلَّقَ قَوْلُهُ تَعَالَى: لَوْ تَعْلَمُونَ بِمَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ؟ فَنَقُولُ: هُوَ كَلَامُ اعْتِرَاضٍ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ تَقْدِيرُهُ: وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ عَظِيمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ لَصَدَّقْتُمْ، فَإِنْ قِيلَ: فَمَا فَائِدَةُ الِاعْتِرَاضِ؟ نَقُولُ: الِاهْتِمَامُ بِقَطْعِ اعْتِرَاضِ الْمُعْتَرِضِ، لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ: وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ أَرَادَ أَنْ يَصِفَهُ بِالْعَظَمَةِ بِقَوْلِهِ: عَظِيمٌ وَالْكَفَّارُ كَانُوا يَجْهَلُونَ ذَلِكَ وَيَدَّعُونَ الْعِلْمَ بِأُمُورِ النَّجْمِ، وَكَانُوا يَقُولُونَ: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ فَمَا بَالُهُ لَا يَحْصُلُ لَنَا عِلْمٌ وَظَنٌّ، فَقَالَ: لَوْ تَعْلَمُونَ لَحَصَلَ لَكُمُ الْقَطْعُ، وَعَلَى مَا ذَكَرْنَا الْأَمْرُ أَظْهَرُ مِنْ هَذَا، وَذَلِكَ لِأَنَّا قُلْنَا: إِنَّ قَوْلَهُ: فَلا أُقْسِمُ مَعْنَاهُ الْأَمْرُ وَاضِحٌ مِنْ أَنْ يُصَدَّقَ بِيَمِينٍ، وَالْكُفَّارُ كَانُوا يَقُولُونَ: أَيْنَ الظُّهُورُ وَنَحْنُ نَقْطَعُ بِعَدَمِهِ، فَقَالَ: لَوْ تَعْلَمُونَ شَيْئًا لَمَا كَانَ كَذَلِكَ، وَالْأَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ كُلَّ مَا جَعَلَهُ اللَّهُ قَسَمًا فَهُوَ فِي نَفْسِهِ دَلِيلٌ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَأَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْقَسَمِ، فَقَوْلُهُ: وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ مَعْنَاهُ عِنْدَ التَّحْقِيقِ، وَإِنَّهُ دَلِيلٌ وَبُرْهَانٌ قَوِيٌّ لَوْ تَعْلَمُونَ وَجْهَهُ لَاعْتَرَفْتُمْ بِمَدْلُولِهِ، وَهُوَ التَّوْحِيدُ/ وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْحَشْرِ، وَذَلِكَ لَأَنَّ دَلَالَةَ اخْتِصَاصِ الْكَوَاكِبِ بِمَوَاضِعِهَا فِي غَايَةِ الظُّهُورِ وَلَا يَلْزَمُ الْفَلَاسِفَةَ دَلِيلٌ أَظْهَرُ مِنْهُ، وَأَمَّا المعنوية:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute