بِالْفَاعِلِ، احْتَجَّ الْقَاضِي بِأَنَّ الْمَوْجُودَاتِ أَشْيَاءُ، وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فَهُوَ إِذًا قَادِرٌ عَلَى الْمَوْجُودَاتِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى إِيجَادِهَا وَهُوَ مُحَالٌ لِأَنَّ إِيجَادَ الْمَوْجُودِ مُحَالٌ، أَوْ عَلَى إِعْدَامِهَا، وَذَلِكَ يَقْتَضِي إِمْكَانَ وُقُوعِ الْإِعْدَامِ بِالْفَاعِلِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: زَعَمَ الْكَعْبِيُّ أَنَّهُ تَعَالَى غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى مِثْلِ مَقْدُورِ الْعَبْدِ، وَزَعَمَ أَبُو عَلِيٍّ وَأَبُو هَاشِمٍ أَنَّهُ تَعَالَى غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى مَقْدُورِ الْعَبْدِ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا: إِنَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى مِثْلِ مَقْدُورِ الْعَبْدِ وَعَلَى غَيْرِ مَقْدُورِهِ، وَاحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِأَنَّ عَيْنَ مَقْدُورِ الْعَبْدِ وَمِثْلَ مَقْدُورِهِ شَيْءٌ، وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فَثَبَتَ بِهَذَا صِحَّةُ وُجُودِ مَقْدُورٍ وَاحِدٍ بَيْنَ قَادِرَيْنِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: زَعَمَ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ لَا مُؤَثِّرَ إِلَّا قُدْرَةُ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَبْطَلُوا الْقَوْلَ بِالطَّبَائِعِ عَلَى مَا يَقُولُهُ الْفَلَاسِفَةُ، وَأَبْطَلُوا الْقَوْلَ بِالْمُتَوَلِّدَاتِ عَلَى مَا يَقُولُهُ الْمُعْتَزِلَةُ، وَأَبْطَلُوا الْقَوْلَ بِكَوْنِ الْعَبْدِ مُوجِدًا لِأَفْعَالِ نَفْسِهِ، وَاحْتَجُّوا عَلَى الْكُلِّ بِأَنَّ الْآيَةَ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فلوقوع شَيْءٌ مِنَ الْمُمْكِنَاتِ لَا بِقُدْرَةِ اللَّهِ بَلْ بِشَيْءٍ آخَرَ، لَكَانَ ذَلِكَ الْآخَرُ قَدْ مَنَعَ قُدْرَةَ اللَّهِ عَنِ التَّأْثِيرِ فِيمَا كَانَ مَقْدُورًا لَهُ وَذَلِكَ مُحَالٌ، لِأَنَّ مَا سِوَى اللَّهِ مُمْكِنٌ مُحْدَثٌ، فَيَكُونُ أَضْعَفَ قُوَّةً مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ، وَالْأَضْعَفُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَدْفَعَ الْأَقْوَى.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: هَذِهِ الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْإِلَهَ تَعَالَى وَاحِدٌ، لِأَنَّا لَوْ قَدَّرْنَا إِلَهًا ثَانِيًا، فَإِمَّا أَنْ يَقْدِرَ عَلَى إِيجَادِ شَيْءٍ أَوْ لَا يَقْدِرَ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ أَلْبَتَّةَ عَلَى إِيجَادِ شَيْءٍ أَصْلًا لَمْ يَكُنْ إِلَهًا، وَإِنْ قَدَرَ كَانَ مَقْدُورُ ذَلِكَ الْإِلَهِ الثَّانِي شَيْئًا، فَيَلْزَمُ كَوْنُهُ مَقْدُورًا لِلْإِلَهِ الْأَوَّلِ لِقَوْلِهِ: وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فَيَلْزَمُ وُقُوعُ مَخْلُوقٍ بَيْنَ خَالِقَيْنِ وَهُوَ مُحَالٌ، لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مُسْتَقِلًّا بِالْإِيجَادِ، يَلْزَمُ أَنْ يَسْتَغْنِيَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَيَكُونُ مُحْتَاجًا إِلَيْهِمَا، وَغَنِيًّا عَنْهُمَا، وَذَلِكَ مُحَالٌ.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: احْتَجَّ جَهْمٌ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى لَيْسَ بِشَيْءٍ فَقَالَ: لَوْ كَانَ شَيْئًا لَكَانَ قَادِرًا عَلَى نَفْسِهِ لِقَوْلِهِ: وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لَكِنَّ كَوْنَهُ قَادِرًا عَلَى نَفْسِهِ مُحَالٌ، فَيَمْتَنِعُ كَوْنُهُ شَيْئًا، وَقَالَ أَصْحَابُنَا لَمَّا دَلَّ قَوْلُهُ: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ [الْأَنْعَامِ: ١٩] عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى شَيْءٌ وَجَبَ تَخْصِيصُ هَذَا الْعُمُومِ، فَإِذًا هَذِهِ الْآيَةُ قَدْ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْعَامَّ الْمَخْصُوصَ وَارِدٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَدَلَّتْ عَلَى أَنَّ تَخْصِيصَ الْعَامِّ بِدَلِيلِ الْعَقْلِ جَائِزٌ بَلْ وَاقِعٌ.
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: زَعَمَ جُمْهُورُ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ الْكَذِبِ وَالْجَهْلِ وَالْعَبَثِ وَالظُّلْمِ، وَزَعَمَ النَّظَّامُ أَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَيْهِ، وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ الْجَهْلَ وَالْكَذِبَ أَشْيَاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فَوَجَبَ كَوْنُهُ تَعَالَى قَادِرًا عَلَيْهَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: احْتَجَّ أَهْلُ التَّوْحِيدِ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنِ الْحَيِّزِ وَالْجِهَةِ، فَإِنَّهُ تَعَالَى لَوْ حَصَلَ فِي حَيِّزٍ دُونَ حَيِّزٍ لَكَانَ ذَلِكَ الْحَيِّزُ الَّذِي حَكَمَ بِحُصُولِهِ فِيهِ مُتَمَيِّزًا عَنِ الْحَيِّزِ الَّذِي حَكَمَ بِأَنَّهُ غَيْرُ حَاصِلٍ فِيهِ، إِذْ لَوْ لَمْ يَتَمَيَّزْ أَحَدُ الْحَيِّزَيْنِ عَنِ الْآخَرِ لَاسْتَحَالَ الْحُكْمُ بِأَنَّهُ تَعَالَى حَصَلَ فِيهِ وَلَمْ يَحْصُلْ فِي الْآخَرِ ثُمَّ إِنَّ امْتِيَازَ أَحَدِ الْحَيِّزَيْنِ عَنِ الْآخَرِ فِي نَفْسِهِ يَقْتَضِي كَوْنَ الْحَيِّزِ أَمْرًا مَوْجُودًا لِأَنَّ الْعَدَمَ الْمَحْضَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مُشَارًا إِلَيْهِ بِالْحِسِّ وَأَنْ يَكُونَ بَعْضُهُ مُتَمَيِّزًا عَنِ الْبَعْضِ فِي الْحِسِّ، وَأَنْ يَكُونَ مَقْصِدًا لِلْمُتَحَرِّكِ، فَإِذَنْ لَوْ كَانَ الله تعالى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute