مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ مَاذَا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَاتِ لَا يَتَلَخَّصُ إِلَّا بِسُؤَالَاتٍ وَجَوَابَاتٍ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: لَفْظُ الْقُرْآنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ افْتِتَانَ الْكُفَّارِ بِعَدَدِ الزَّبَانِيَةِ سَبَبًا لِهَذِهِ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ، فَمَا الْوَجْهُ فِي ذَلِكَ؟ وَالْجَوَابُ: أَنَّهُ مَا جَعَلَ افْتِتَانَهُمْ بِالْعَدَدِ سَبَبًا لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَبَيَانُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ: التَّقْدِيرُ:
وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَإِلَّا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ/ أُوتُوا الْكِتَابَ، كَمَا يُقَالُ: فَعَلْتُ كَذَا لِتَعْظِيمِكَ وَلِتَحْقِيرِ عَدُوِّكَ، قَالُوا: وَالْعَاطِفَةُ قَدْ تُذْكَرُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ تَارَةً. وَقَدْ تُحْذَفُ أُخْرَى الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ: وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا هُوَ أَنَّهُ وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا تِسْعَةَ عَشَرَ إِلَّا أَنَّهُ وَضَعَ فِتْنَةً لِلَّذِينِ كَفَرُوا مَوْضِعَ تِسْعَةَ عَشَرَ كَأَنَّهُ عَبَّرَ عَنِ الْمُؤَثِّرِ بِاللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى الْأَثَرِ، تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ هَذَا الْأَثَرَ مِنْ لَوَازِمِ ذَلِكَ الْمُؤَثِّرِ.
السُّؤَالُ الثَّانِي: مَا وَجْهُ تَأْثِيرِ إِنْزَالِ هَذَا الْمُتَشَابِهِ فِي اسْتِيقَانِ أَهْلِ الْكِتَابِ؟ الْجَوَابُ: مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا الْعَدَدَ لَمَّا كَانَ مَوْجُودًا فِي كِتَابِهِمْ، ثُمَّ إِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَخْبَرَ عَلَى وَفْقِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ سَابِقَةِ دِرَاسَةٍ وَتَعَلُّمٍ، فَظَهَرَ أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا حَصَلَ بِسَبَبِ الْوَحْيِ مِنَ السَّمَاءِ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يَزْدَادُونَ بِهِ إِيمَانًا وَثَانِيهَا: أَنَّ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ كَانَا مُحَرَّفَيْنِ، فَأَهْلُ الْكِتَابِ كَانُوا يَقْرَءُونَ فِيهِمَا أَنَّ عَدَدَ الزَّبَانِيَةِ هُوَ هَذَا الْقَدْرُ، وَلَكِنَّهُمْ مَا كَانُوا يُعَوِّلُونَ عَلَى ذَلِكَ كُلَّ التَّعْوِيلِ لِعِلْمِهِمْ بِتَطَرُّقِ التَّحْرِيفِ إِلَى هَذَيْنِ الْكِتَابَيْنِ، فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوِيَ إِيمَانُهُمْ بِذَلِكَ وَاسْتَيْقَنُوا أَنَّ ذَلِكَ الْعَدَدَ هُوَ الْحَقُّ وَالصِّدْقُ وَثَالِثُهَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْلَمُ مِنْ حَالِ قُرَيْشٍ أَنَّهُ مَتَى أَخْبَرَهُمْ بِهَذَا الْعَدَدِ الْعَجِيبِ، فَإِنَّهُمْ يَسْتَهْزِئُونَ بِهِ وَيَضْحَكُونَ مِنْهُ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَهْزِئُونَ بِهِ فِي إِثْبَاتِ التَّوْحِيدِ وَالْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ، مَعَ أَنَّ تِلْكَ الْمَسَائِلَ أَوْضَحُ وَأَظْهَرُ فَكَيْفَ فِي ذِكْرِ هَذَا الْعَدَدِ الْعَجِيبِ؟ ثُمَّ إِنَّ اسْتِهْزَاءَهُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ وَشِدَّةَ سُخْرِيَتِهِمْ بِهِ مَا مَنَعَهُ مِنْ إِظْهَارِ هَذَا الْحَقِّ، فَعِنْدَ هَذَا يَعْلَمُ كُلُّ أَحَدٍ أَنَّهُ لَوْ كَانَ غَرَضُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَبَ الدُّنْيَا وَالرِّيَاسَةَ لَاحْتَرَزَ عَنْ ذِكْرِ هَذَا الْعَدَدِ الْعَجِيبِ، فَلَمَّا ذَكَرَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُمْ لَا بُدَّ وأن يستهزءوا بِهِ عَلِمَ كُلُّ عَاقِلٍ أَنَّ مَقْصُودَهُ مِنْهُ إِنَّمَا هُوَ تَبْلِيغُ الْوَحْيِ، وَأَنَّهُ مَا كَانَ يُبَالِي فِي ذَلِكَ لَا بِتَصْدِيقِ الْمُصَدِّقِينَ وَلَا بِتَكْذِيبِ الْمُكَذِّبِينَ.
السُّؤَالُ الثَّالِثُ: مَا تَأْثِيرُ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ فِي ازْدِيَادِ إِيمَانِ الْمُؤْمِنِينَ؟ الْجَوَابُ: أَنَّ الْمُكَلَّفَ مَا لَمْ يَسْتَحْضِرْ كَوْنَهُ تَعَالَى عَالِمًا بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ غَنِيًّا عَنْ جَمِيعِ الْحَادِثَاتِ مُنَزَّهًا عن الكذب والحلف لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَنْقَادَ لِهَذِهِ الْعِدَّةِ وَيَعْتَرِفَ بِحَقِيقَتِهَا، فَإِذَا اشْتَغَلَ بِاسْتِحْضَارِ تِلْكَ الدَّلَائِلِ ثُمَّ جَعَلَ الْعِلْمَ الْإِجْمَالِيَّ بِأَنَّهُ صَادِقٌ لَا يَكْذِبُ حَكِيمٌ لَا يَجْهَلُ دَافِعًا لِلتَّعَجُّبِ الْحَاصِلِ فِي الطَّبْعِ مِنْ هَذَا الْعَدَدِ الْعَجِيبِ فَحِينَئِذٍ يُمْكِنُهُ أَنْ يُؤْمِنَ بِحَقِيقَةِ هَذَا الْعَدَدِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَصِيرُ عِنْدَ اعْتِبَارِ هَذِهِ الْمَقَامَاتِ أشد استحضار لِلدَّلَائِلِ وَأَكْثَرَ انْقِيَادًا لِلدِّينِ، فَالْمُرَادُ بِازْدِيَادِ الْإِيمَانِ هَذَا.
السُّؤَالُ الرَّابِعُ: حَقِيقَةُ الْإِيمَانِ عِنْدَكُمْ لَا تَقْبَلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ فَمَا قَوْلُكُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ؟ الْجَوَابُ: نَحْمِلُهُ عَلَى ثَمَرَاتِ الْإِيمَانِ وَعَلَى آثَارِهِ وَلَوَازِمِهِ.
السُّؤَالُ الْخَامِسُ: لَمَّا أُثْبِتَ الِاسْتِيقَانُ لِأَهْلِ الْكِتَابِ وَأُثْبِتَ زِيَادَةُ الْإِيمَانِ لِلْمُؤْمِنِينَ فَمَا الْفَائِدَةُ فِي قَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ: وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ؟ الْجَوَابُ: أَنَّ الْمَطْلُوبَ إِذَا كَانَ غَامِضًا دَقِيقَ الْحُجَّةِ كَثِيرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute