ثُمَّ زَعَمَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ أَنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ مُعَارَضَةً لِهَذِهِ الْآيَةِ، وَأَقُولُ: كَانَ الْأَوْلَى لِصَاحِبِ الْكَشَّافِ أَنْ لَا يَذْكُرَ ذَلِكَ، وَإِذْ قَدْ ذَكَرَهُ فَلَا بُدَّ لَنَا مِنْ تَحْقِيقِ الْكَلَامِ فِيهِ، فَنَقُولُ: تَشْبِيهُ الشَّرَارَةِ بِالطِّرَافِ يُفِيدُ التَّشْبِيهَ فِي الشَّكْلِ وَالْعِظَمِ، أَمَّا الشَّكْلُ فَمِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ: أَنَّ الشَّرَارَةَ تَكُونُ قَبْلَ انْشِعَابِهَا كَالنُّقْطَةِ مِنَ النَّارِ، فَإِذَا انْشَعَبَتِ اتَّسَعَتْ فَهِيَ كَالنُّقْطَةِ الَّتِي تَتَّسِعُ فَهِيَ تُشْبِهُ الْخَيْمَةَ فَإِنَّ رَأْسَهَا كَالنُّقْطَةِ ثُمَّ إِنَّهَا لَا تَزَالُ تَتَّسِعُ شَيْئًا فَشَيْئًا الثَّانِي: أَنَّ الشَّرَارَةَ كَالْكُرَةِ أَوِ الْأُسْطُوَانَةِ فَهِيَ شَدِيدَةُ الشَّبَهِ بِالْخَيْمَةِ الْمُسْتَدِيرَةِ وَأَمَّا التَّشْبِيهُ بِالْخَيْمَةِ فِي النَّظْمِ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ، هَذَا مُنْتَهَى هَذَا التَّشْبِيهِ. وَأَمَّا وَجْهُ الْقَدْحِ فِيهِ فَمِنْ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ: أَنَّ لَوْنَ الشَّرَارَةِ أَصْفَرُ يَشُوبُهَا شَيْءٌ مِنَ السَّوَادِ، وَهَذَا الْمَعْنَى حَاصِلٌ فِي الْجِمَالَاتِ الصُّفْرِ وَغَيْرُ حَاصِلٍ فِي الْخَيْمَةِ مِنَ الْأَدِيمِ الثَّانِي: أَنَّ الْجِمَالَاتِ مُتَحَرِّكَةً وَالْخَيْمَةُ لَا تَكُونُ مُتَحَرِّكَةً فَتَشْبِيهُ الشَّرَارِ الْمُتَحَرِّكِ بِالْجِمَالَاتِ الْمُتَحَرِّكَةِ أولى والثالث: أن الشرارات متتابعة يجيء بَعْضُهَا خَلْفَ الْبَعْضِ وَهَذَا الْمَعْنَى حَاصِلٌ فِي الْجِمَالَاتِ الصُّفْرِ وَغَيْرُ حَاصِلٍ فِي الطِّرَافِ الرَّابِعُ: أَنَّ الْقَصْرَ مَأْمَنُ الرَّجُلِ وَمَوْضِعُ سَلَامَتِهِ فَتَشْبِيهُ الشَّرَرِ بِالْقَصْرِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا تَوَلَّدَتْ آفَتُهُ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي تَوَقَّعَ مِنْهُ الْأَمْنَ وَالسَّلَامَةَ، وَحَالُ الْكَافِرِ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ كَانَ يَتَوَقَّعُ الْخَيْرَ وَالسَّلَامَةَ مِنْ دِينِهِ، ثُمَّ إِنَّهُ مَا ظَهَرَتْ لَهُ آفَةٌ وَلَا مِحْنَةٌ إِلَّا مِنْ ذَلِكَ الدِّينِ، وَالْخَيْمَةُ لَيْسَتْ مِمَّا يُتَوَقَّعُ مِنْهَا الْأَمْنُ الْكُلِّيُّ الْخَامِسُ: أَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ كُلَّ الْجَمَالِ فِي مِلْكِ الْجِمَالِ وَتَمَامَ النِّعَمِ إِنَّمَا يَحْصُلُ بِمِلْكِ النَّعَمِ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ [النَّحْلِ: ٦] فَتَشْبِيهُ الشَّرَرِ بِالْجِمَالِ السُّودِ كَالتَّهَكُّمِ بِهِمْ، كَأَنَّهُ قِيلَ لَهُمْ: كُنْتُمْ تَتَوَقَّعُونَ مِنْ دِينِكُمْ كَرَامَةً وَنِعْمَةً وَجَمَالًا إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ الْجَمَالَ هُوَ هَذِهِ الشَّرَارَاتُ الَّتِي هِيَ كَالْجِمَالِ، وَهَذَا الْمَعْنَى غَيْرُ حَاصِلٍ فِي/ الطِّرَافِ السَّادِسُ: أَنَّ الْجِمَالَ إِذَا انْفَرَدَتْ وَاخْتَلَطَ بَعْضُهَا بِالْبَعْضِ فَكُلُّ مَنْ وَقَعَ فِيمَا بَيْنَ أَيْدِيهَا وَأَرْجُلِهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ نَالَ بَلَاءً شَدِيدًا وَأَلَمًا عَظِيمًا، فَتَشْبِيهُ الشَّرَارَاتِ بِهَا حَالَ تَتَابُعِهَا يُفِيدُ حُصُولَ كَمَالِ الضَّرَرِ، وَالطِّرَافُ لَيْسَ كَذَلِكَ السَّابِعُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْقَصْرَ يَكُونُ فِي الْمِقْدَارِ أَعْظَمَ مِنَ الطِّرَافِ وَالْجِمَالَاتُ الصُّفْرُ تَكُونُ أَكْثَرَ فِي الْعَدَدِ مِنَ الطِّرَافِ فَتَشْبِيهُ هَذِهِ الشَّرَارَاتِ بِالْقَصْرِ وَبِالْجِمَالَاتِ يَقْتَضِي الزِّيَادَةَ فِي الْمِقْدَارِ وَفِي الْعَدَدِ وَتَشْبِيهُهَا بِالطِّرَافِ لَا يُفِيدُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَلَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ التَّهْوِيلَ وَالتَّخْوِيفَ كَانَ التَّشْبِيهُ الْأَوَّلُ أَوْلَى الثَّامِنُ: أَنَّ التَّشْبِيهَ بِالشَّيْئَيْنِ فِي إِثْبَاتِ وَصْفَيْنِ أَقْوَى فِي ثُبُوتِ ذَيْنِكَ الْوَصْفَيْنِ مِنَ التَّشْبِيهِ بِالشَّيْءِ الْوَاحِدِ فِي إِثْبَاتِ ذَيْنِكَ الْوَصْفَيْنِ، وَبَيَانُهُ أَنَّ مَنْ سَمِعَ قَوْلَهُ: إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ تَسَارَعَ ذِهْنُهُ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ إِثْبَاتُ عِظَمِ تِلْكَ الشَّرَارَاتِ، ثُمَّ إذا سمع بعد ذلك قوله: كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ تَسَارَعَ ذِهْنُهُ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ كَثْرَةُ تِلْكَ الشَّرَارَاتِ وَتَتَابُعُهَا وَلَوْنُهَا. أَمَّا مَنْ سَمِعَ أَنَّ الشَّرَارَ كَالطِّرَافِ يَبْقَى ذِهْنُهُ مُتَوَقِّفًا فِي أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالتَّشْبِيهِ إِثْبَاتُ الْعِظَمِ أَوْ إِثْبَاتُ اللَّوْنِ، فَالتَّشْبِيهُ بِالطِّرَافِ كَالْمُجْمَلِ، وَالتَّشْبِيهُ بِالْقَصْرِ وَبِالْجِمَالَاتِ الصُّفْرِ، كَالْبَيَانِ الْمُفَصَّلِ الْمُكَرَّرِ الْمُؤَكِّدِ. وَلَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْبَيَانِ هُوَ التَّهْوِيلَ وَالتَّخْوِيفَ، فَكُلَّمَا كَانَ بَيَانُ وُجُوهِ الْعَذَابِ أَتَمَّ وَأَبْيَنَ كَانَ الْخَوْفُ أَشَدَّ، فَثَبَتَ أَنَّ هَذَا التَّشْبِيهَ أَتَمُّ. التَّاسِعُ: أَنَّهُ قَالَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ: انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ وَالْإِنْسَانُ إِنَّمَا يَكُونُ طَيِّبَ الْعَيْشِ وَقْتَ الِانْطِلَاقِ، وَالذَّهَابِ إِذَا كَانَ رَاكِبًا، وَإِنَّمَا يَجِدُ الظِّلَّ الطَّيِّبَ إِذَا كَانَ فِي قَصْرِهِ، فَوَقَعَ تَشْبِيهُ الشَّرَارَةِ بِالْقَصْرِ وَالْجِمَالَاتِ، كَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ: مَرْكُوبُكَ هَذِهِ الْجِمَالَاتُ، وَظِلُّكَ فِي مِثْلِ هَذَا الْقَصْرِ، وَهَذَا يَجْرِي مَجْرَى التَّهَكُّمِ بِهِمْ، وَهَذَا الْمَعْنَى غَيْرُ حَاصِلٍ فِي الطِّرَافِ الْعَاشِرُ: مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ تَطَايُرَ الْقَصْرِ إِلَى الْهَوَاءِ أَدْخَلُ فِي التَّعَجُّبِ مِنْ تَطَايُرِ الْخَيْمَةِ، لِأَنَّ الْقَصْرَ يَكُونُ مُرَكَّبًا مِنَ اللَّبَنِ وَالْحَجَرِ وَالْخَشَبِ. وَهَذِهِ الْأَجْسَامُ أَدْخَلُ فِي الثِّقَلِ وَالِاكْتِنَازِ من
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute