للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ، ثُمَّ إِذَا حَصَلَتْ مَعْرِفَةُ النُّبُوَّةِ فَحِينَئِذٍ يُسْتَفَادُ مِنْهَا مَعْرِفَةُ بَقِيَّةِ الصِّفَاتِ كَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالصِّفَاتِ الْخَيْرِيَّةِ وَالْوِجْدَانِيَّةِ عَلَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ، ثم لِرَسُولِنَا الْحَظُّ الْأَوْفَرُ مِنْ هَذِهِ الْمَنْقَبَةِ، لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ قَبْلَ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَبْعُوثُ بَعْدَهُمْ، ثُمَّ هُوَ مَبْعُوثٌ إِلَى الثَّقَلَيْنِ، وَهُوَ الَّذِي يُحْشَرُ قَبْلَ كُلِّ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَا يَجُوزُ وُرُودُ الشَّرْعِ عَلَى نَسْخِهِ وَفَضَائِلُهُ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُعَدَّ وتحصى. ولنذكر هاهنا قَلِيلًا مِنْهَا، فَنَقُولُ:

إِنَّ كِتَابَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ كَلِمَاتٍ عَلَى مَا قَالَ تَعَالَى: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ [الْبَقَرَةِ: ٣٧] وَكِتَابَ إِبْرَاهِيمَ أَيْضًا كَانَ كَلِمَاتٍ عَلَى مَا قَالَ: وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ [الْبَقَرَةِ: ١٢٤] وَكِتَابَ مُوسَى كَانَ صُحُفًا كَمَا قَالَ: صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى [الْأَعْلَى: ١٩] أَمَّا كِتَابُ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَإِنَّهُ هُوَ الْكِتَابُ الْمُهَيْمِنُ عَلَى الْكُلِّ، قَالَ: وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ [الْمَائِدَةِ: ٤٨] وَأَيْضًا فَإِنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنَّمَا تَحَدَّى بِالْأَسْمَاءِ الْمَنْثُورَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ [الْبَقَرَةِ: ٣١] وَمُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِنَّمَا تَحَدَّى بِالْمَنْظُومِ: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ [الْإِسْرَاءِ: ٨٨] وَأَمَّا نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِنَّ اللَّهَ أَكْرَمَهُ بِأَنْ أَمْسَكَ سَفِينَتَهُ عَلَى الْمَاءِ، وَفَعَلَ فِي مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ،

رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ عَلَى شَطِّ مَاءٍ وَمَعَهُ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَادْعُ ذَلِكَ الْحَجَرَ الَّذِي هُوَ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ فَلْيَسْبَحْ وَلَا يَغْرَقْ، فَأَشَارَ الرَّسُولُ إِلَيْهِ، فَانْقَلَعَ الْحَجَرُ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ مِنْ مَكَانِهِ وَسَبَحَ حَتَّى صَارَ بَيْنَ يَدَيِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَشَهِدَ لَهُ بِالرِّسَالَةِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْفِيكَ هَذَا؟ قَالَ: حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى مَكَانِهِ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ» ،

وَأَكْرَمَ إِبْرَاهِيمَ فَجَعَلَ النَّارَ عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلَامًا، وَفَعَلَ فِي حَقِّ مُحَمَّدٍ أَعْظَمَ مِنْ ذَلِكَ

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ قَالَ: «كُنْتُ طِفْلًا فَانْصَبَّ الْقِدْرُ عَلَيَّ مِنَ النَّارِ، فَاحْتَرَقَ جِلْدِي كُلُّهُ فَحَمَلَتْنِي أُمِّي إِلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَتْ: هَذَا ابْنُ حَاطِبٍ احْتَرَقَ كَمَا تَرَى فَتَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جِلْدِي وَمَسَحَ بِيَدِهِ عَلَى الْمُحْتَرِقِ مِنْهُ، وَقَالَ:

أَذْهِبِ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ، فَصِرْتُ صَحِيحًا لَا بَأْسَ بِي»

وَأَكْرَمَ موسى ففلق له البحر في الأرض، وكرم مُحَمَّدًا فَفَلَقَ لَهُ الْقَمَرَ فِي السَّمَاءِ، ثُمَّ انْظُرْ إِلَى فَرْقِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَفَجَّرَ لَهُ الْمَاءَ مِنَ الْحَجَرِ، وَفَجَّرَ لِمُحَمَّدٍ أَصَابِعَهُ عُيُونًا، وَأَكْرَمَ مُوسَى بِأَنْ ظَلَّلَ عَلَيْهِ الْغَمَامَ، وَكَذَا أَكْرَمَ مُحَمَّدًا بِذَلِكَ فَكَانَ الْغَمَامُ يُظَلِّلُهُ، وَأَكْرَمَ مُوسَى بِالْيَدِ الْبَيْضَاءِ، وَأَكْرَمَ مُحَمَّدًا بِأَعْظَمَ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ، الَّذِي وَصَلَ نُورُهُ إِلَى الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ، وَقَلَبَ اللَّهُ عَصَا مُوسَى ثُعْبَانًا، وَلَمَّا أَرَادَ أَبُو جَهْلٍ أَنْ يَرْمِيَهُ بِالْحَجَرِ رَأَى عَلَى كَتِفَيْهِ ثُعْبَانَيْنِ، فَانْصَرَفَ مَرْعُوبًا، وَسَبَّحَتِ الْجِبَالُ مَعَ دَاوُدَ وَسَبَّحَتِ الْأَحْجَارُ فِي يَدِهِ وَيَدِ أَصْحَابِهِ، وَكَانَ دَاوُدُ إِذَا مَسَكَ الْحَدِيدَ لَانَ، وَكَانَ هُوَ لَمَّا مَسَحَ الشَّاةَ الْجَرْبَاءَ دَرَّتْ، وَأَكْرَمَ دَاوُدَ بِالطَّيْرِ الْمَحْشُورَةِ وَمُحَمَّدًا بِالْبُرَاقِ، وَأَكْرَمَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِإِحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَأَكْرَمَهُ بِجِنْسِ ذَلِكَ حِينَ أَضَافَهُ الْيَهُودُ بِالشَّاةِ الْمَسْمُومَةِ، فَلَمَّا وَضَعَ اللُّقْمَةَ فِي فَمِهِ أَخْبَرَتْهُ، وَأَبْرَأَ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ،

رُوِيَ/ أَنَّ امْرَأَةَ مُعَاذِ بْنِ عَفْرَاءَ أَتَتْهُ وَكَانَتْ بَرْصَاءَ، وَشَكَتْ ذَلِكَ إِلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ بِغُصْنٍ فَأَذْهَبَ اللَّهُ الْبَرَصَ،

وَحِينَ سَقَطَتْ حَدَقَةُ الرَّجُلِ يَوْمَ أحد فرفعها وَجَاءَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَدَّهَا إِلَى مَكَانِهَا، وَكَانَ عِيسَى يَعْرِفُ مَا يُخْفِيهِ النَّاسُ فِي بُيُوتِهِمْ، وَالرَّسُولُ عَرَفَ مَا أَخَفَاهُ عَمُّهُ مَعَ أُمِّ الْفَضْلِ، فَأَخْبَرَهُ فَأَسْلَمَ الْعَبَّاسُ لِذَلِكَ، وَأَمَّا سُلَيْمَانُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَدَّ لَهُ الشَّمْسَ مَرَّةً، وَفَعَلَ ذَلِكَ أَيْضًا لِلرَّسُولِ حِينَ نَامَ وَرَأْسُهُ فِي حِجْرِ عَلِيٍّ فَانْتَبَهَ وَقَدْ غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَرَدَّهَا حَتَّى صَلَّى، وَرَدَّهَا مَرَّةً أُخْرَى لِعَلِيٍّ فَصَلَّى الْعَصْرَ فِي وَقْتِهِ، وَعَلَّمَ سُلَيْمَانَ مَنْطِقَ الطَّيْرِ، وَفَعَلَ ذَلِكَ فِي حَقِّ مُحَمَّدٍ،

رُوِيَ أَنَّ طَيْرًا فُجِعَ بِوَلَدِهِ فَجَعَلَ يُرَفْرِفُ عَلَى رَأْسِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>