قُلْ لَهُ بَيِّنْ لَنَا جِنْسَ مَعْبُودِكَ، أَمِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ السُّورَةَ، فقالوا له: ثلاثمائة وَسِتُّونَ صَنَمًا لَا تَقُومُ بِحَوَائِجِنَا، فَكَيْفَ يَقُومُ الواحد بحوائج الخلق؟ فنزلت: وَالصَّافَّاتِ إِلَى قَوْلِهِ: إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ [الصَّافَّاتِ: ١- ٤] فَأَرْسَلُوهُ أُخْرَى، وَقَالُوا: بَيِّنْ لَنَا أَفْعَالَهُ فَنَزَلَ: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ [الأعراف: ٥٤]
الثَّانِي: أَنَّهَا نَزَلَتْ بِسَبَبِ سُؤَالِ الْيَهُودِ
رَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ وَمَعَهُمْ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ هَذَا اللَّهُ خَلَقَ الْخَلْقَ، فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟ فَغَضِبَ نَبِيُّ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ فَسَكَّنَهُ وَقَالَ: اخْفِضْ جَنَاحَكَ يَا مُحَمَّدُ، فَنَزَلَ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فَلَمَّا تَلَاهُ عَلَيْهِمْ قَالُوا: صِفْ لَنَا رَبَّكَ كَيْفَ عَضُدُهُ، وَكَيْفَ ذِرَاعُهُ؟ فَغَضِبَ أَشَدَّ مِنْ غَضَبِهِ الْأَوَّلِ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ بِقَوْلِهِ: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الْأَنْعَامِ: ٩١]
الثَّالِثُ: أَنَّهَا نَزَلَتْ بِسَبَبِ سُؤَالِ النَّصَارَى،
رَوَى عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَدِمَ وَفْدُ نَجْرَانَ، فَقَالُوا: صِفْ لَنَا رَبَّكَ أَمِنْ زَبَرْجَدٍ أَوْ يَاقُوتٍ أَوْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ؟ فَقَالَ: إِنَّ رَبِّي لَيْسَ مِنْ شَيْءٍ لِأَنَّهُ خَالِقُ الْأَشْيَاءِ فَنَزَلَتْ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ قَالُوا: هُوَ وَاحِدٌ، وَأَنْتَ وَاحِدٌ، فَقَالَ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، قَالُوا: زِدْنَا مِنَ الصِّفَةِ، فَقَالَ: اللَّهُ الصَّمَدُ فَقَالُوا: وَمَا الصَّمَدُ؟ فَقَالَ: الَّذِي يَصْمُدُ إِلَيْهِ الْخَلْقُ فِي الْحَوَائِجِ، فَقَالُوا: زِدْنَا فَنَزَلَ: لَمْ يَلِدْ كَمَا وَلَدَتْ مَرْيَمُ: وَلَمْ يُولَدْ كَمَا وُلِدَ عِيسَى: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ يُرِيدُ نَظِيرًا مِنْ خَلْقِهِ.
الْفَصْلُ الثَّالِثُ: فِي أَسَامِيهَا، اعْلَمْ أَنَّ كَثْرَةَ الْأَلْقَابِ تَدُلُّ عَلَى مَزِيدِ الْفَضِيلَةِ، وَالْعُرْفُ يَشْهَدُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فَأَحَدُهَا: سُورَةُ التَّفْرِيدِ وَثَانِيهَا: سُورَةُ التَّجْرِيدِ وَثَالِثُهَا: سُورَةُ التَّوْحِيدِ وَرَابِعُهَا: سُورَةُ الْإِخْلَاصِ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ سِوَى صِفَاتِهِ السَّلْبِيَّةِ الَّتِي هِيَ صِفَاتُ الْجَلَالِ، وَلِأَنَّ مَنِ اعْتَقَدَهُ كَانَ مُخْلِصًا فِي دِينِ اللَّهِ، وَلِأَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَيْهِ كَانَ خَلَاصَهُ مِنَ النَّارِ، وَلِأَنَّ مَا قَبْلَهُ خَلَصَ فِي ذَمِّ أَبِي لَهَبٍ فَكَانَ جَزَاءُ مَنْ قَرَأَهُ أَنْ لَا يُجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي لَهَبٍ وَخَامِسُهَا: سُورَةُ النَّجَاةِ لِأَنَّهَا تُنْجِيكَ عَنِ التَّشْبِيهِ وَالْكُفْرِ فِي الدُّنْيَا، وَعَنِ النَّارِ فِي الْآخِرَةِ وَسَادِسُهَا: سُورَةُ الْوِلَايَةِ لِأَنَّ مَنْ قَرَأَهَا صَارَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَلِأَنَّ مَنْ عَرَفَ اللَّهَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَقَدْ وَالَاهُ فَبَعْدَ مِحْنَةٍ رَحْمَةٌ كَمَا بَعْدَ مِنْحَةٍ نِعْمَةٌ وَسَابِعُهَا: سُورَةُ النِّسْبَةِ لِمَا
رُوِّينَا أَنَّهُ وَرَدَ جَوَابًا لِسُؤَالِ مَنْ قَالَ: انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ، وَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ: «يَا أَخَا بَنِي سُلَيْمٍ اسْتَوْصِ/ بِنِسْبَةِ اللَّهِ خَيْرًا»
وَهُوَ مِنْ لَطِيفِ الْمَبَانِي، لِأَنَّهُمْ لَمَّا قَالُوا: انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ، فَقَالَ: نِسْبَةُ اللَّهِ هَذَا وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى الْأَنْسَابِ مِنْ شَأْنِ الْعَرَبِ، وكانوا يتشدون عَلَى مَنْ يَزِيدُ فِي بَعْضِ الْأَنْسَابِ أَوْ يَنْقُصُ، فَنِسْبَةُ اللَّهِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ أَوْلَى بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا وَثَامِنُهَا:
سُورَةُ الْمَعْرِفَةِ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ اللَّهِ لَا تَتِمُّ إِلَّا بِمَعْرِفَةِ هَذِهِ السُّورَةِ،
رَوَى جَابِرٌ أَنَّ رَجُلًا صَلَّى فَقَرَأَ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: إِنَّ هَذَا عَبْدٌ عَرَفَ رَبَّهُ فَسُمِّيَتْ سُورَةَ الْمَعْرِفَةِ لِذَلِكَ
وَتَاسِعُهَا: سُورَةُ الْجَمَالِ
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ» فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: أَحَدٌ صَمَدٌ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ وَاحِدًا عَدِيمَ النَّظِيرِ جَازَ أَنْ يَنُوبَ ذَلِكَ الْمِثْلُ مَنَابَهُ
وَعَاشِرُهَا: سُورَةُ الْمُقَشْقِشَةِ، يُقَالُ: تقشيش الْمَرِيضُ مِمَّا بِهِ، فَمَنْ عَرَفَ هَذَا حَصَلَ لَهُ الْبُرْءُ مِنَ الشِّرْكَ وَالنِّفَاقِ لِأَنَّ النِّفَاقَ مَرَضٌ كَمَا قَالَ: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ [الْبَقَرَةِ: ١٠] الْحَادِيَ عَشَرَ: الْمُعَوِّذَةُ،
رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونَ فَعَوَّذَهُ بِهَا وَبِاللَّتَيْنِ بَعْدَهَا، ثُمَّ قَالَ: «تَعَوَّذْ بِهِنَّ فَمَا تعوذت بخير منها»
والثاني عشر: سورة الصمة «١» لِأَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِذِكْرِهِ تَعَالَى وَالثَّالِثَ عَشَرَ: سُورَةُ الأساس،
قال عليه الصلاة والسلام: «أسست السموات السبع والأرضون السبع على قل
(١) يشيع ألسنة العامة تسميها الصمدية وهي تسمية عربية صحيحة نسبة إلى الصمد سمى الله تعالى نفسه فيها.