للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَلْبُكَ لِي فَلَا تُدْخِلْ فِيهِ حُبَّ غَيْرِي، وَلِسَانُكَ لِي فَلَا تَذْكُرْ بِهِ أَحَدًا غَيْرِي، وَبَدَنُكَ لِي فَلَا تَشْغَلْهُ بِخِدْمَةِ غَيْرِي، وَإِنْ أَرَدْتَ شَيْئًا فَلَا تَطْلُبْهُ إِلَّا مِنِّي، فَإِنْ أردت العلم فقل: رب زدني علما وَإِنْ أَرَدْتَ الدُّنْيَا فَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ، وَإِنْ خِفْتَ ضَرَرًا فَقُلْ: أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ فَإِنِّي أَنَا الَّذِي وَصَفْتُ نَفْسِي بِأَنِّي خَالِقُ الْإِصْبَاحِ. وَبِأَنِّي فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى، وَمَا فَعَلْتُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ إِلَّا لِأَجْلِكَ، فَإِذَا كُنْتُ أَفْعَلُ كُلَّ هَذِهِ الْأُمُورِ لِأَجْلِكَ، أَفَلَا أَصُونُكَ عَنِ الْآفَاتِ وَالْمَخَافَاتِ.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: ذَكَرُوا فِي الْفَلَقِ وُجُوهًا أَحَدُهَا: أَنَّهُ الصُّبْحُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ قَالَ الزَّجَّاجُ: لِأَنَّ اللَّيْلَ يُفْلَقُ عَنْهُ الصُّبْحُ وَيُفْرَقُ فَعَلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ يُقَالُ: هُوَ أَبْيَنُ مِنْ فَلَقِ الصُّبْحِ وَمِنْ فَرَقِ الصُّبْحِ وَتَخْصِيصُهُ فِي التَّعَوُّذِ لِوُجُوهٍ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى إِزَالَةِ هَذِهِ الظُّلُمَاتِ الشَّدِيدَةِ عَنْ كُلِّ هَذَا الْعَالَمِ يَقْدِرُ أَيْضًا أَنْ يَدْفَعَ عَنِ الْعَائِذِ كُلَّ مَا يَخَافُهُ وَيَخْشَاهُ الثَّانِي: أَنَّ طُلُوعَ الصُّبْحِ كَالْمِثَالِ لِمَجِيءِ الْفَرَجِ، فَكَمَا أَنَّ الْإِنْسَانَ فِي اللَّيْلِ يَكُونُ مُنْتَظِرًا لِطُلُوعِ الصَّبَاحِ كَذَلِكَ الْخَائِفُ يَكُونُ مُتَرَقِّبًا لِطُلُوعِ صَبَاحِ النَّجَاحِ الثَّالِثُ: أَنَّ الصُّبْحَ كَالْبُشْرَى فَإِنَّ الْإِنْسَانَ فِي الظَّلَامِ يَكُونُ كَلَحْمٍ عَلَى وَضْمٍ، فَإِذَا ظَهَرَ الصُّبْحُ فَكَأَنَّهُ صَاحَ بِالْأَمَانِ وَبَشَّرَ بِالْفَرَجِ، فَلِهَذَا السَّبَبِ يَجِدُ كُلُّ مَرِيضٍ وَمَهْمُومٍ خِفَّةً فِي وَقْتِ السَّحَرِ، فَالْحَقُّ سُبْحَانَهُ يَقُولُ: قُلْ أَعُوذُ بِرَبٍّ يُعْطِي إِنْعَامَ فَلَقِ الصُّبْحِ قَبْلَ السُّؤَالِ، فَكَيْفَ بَعْدَ السُّؤَالِ الرَّابِعُ:

قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنْ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا أُلْقِيَ فِي الْجُبِّ وُجِعَتْ رُكْبَتُهُ وَجَعًا شَدِيدًا فَبَاتَ لَيْلَتَهُ سَاهِرًا فَلَمَّا قَرُبَ طُلُوعُ الصُّبْحِ نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بإذن الله يسليه ويأمره بأن يدعوا رَبَّهُ فَقَالَ: يَا جِبْرِيلُ ادْعُ أَنْتَ وَأُؤَمِّنُ أَنَا فَدَعَا جِبْرِيلُ وَأَمَّنَ يُوسُفُ فَكَشَفَ اللَّهُ مَا كَانَ بِهِ مِنَ الضُّرِّ، فَلَمَّا طَابَ وَقْتُ يُوسُفَ قَالَ جِبْرِيلُ: وَأَنَا أَدْعُو أَيْضًا/ وَتُؤَمِّنُ أَنْتَ، فَسَأَلَ يُوسُفُ رَبَّهُ أَنْ يَكْشِفَ الضُّرَّ عَنْ جَمِيعِ أَهْلِ الْبَلَاءِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَلَا جَرَمَ مَا مِنْ مَرِيضٍ إِلَّا وَيَجِدُ نَوْعَ خِفَّةٍ فِي آخِرِ اللَّيْلِ، وَرُوِيَ أَنَّ دُعَاءَهُ فِي الْجُبِّ: يَا عُدَّتِي فِي شِدَّتِي وَيَا مُؤْنِسِي فِي وَحْشَتِي وَيَا رَاحِمَ غُرْبَتِي وَيَا كَاشِفَ كُرْبَتِي وَيَا مُجِيبَ دَعْوَتِي، وَيَا إِلَهِي وَإِلَهَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ارْحَمْ صِغَرَ سِنِّي وَضَعْفَ رُكْنِي وَقِلَّةَ حِيلَتِي يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ

الْخَامِسُ: لَعَلَّ تَخْصِيصَ الصُّبْحِ بِالذِّكْرِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِأَنَّهُ وَقْتُ دُعَاءِ الْمُضْطَرِّينَ وَإِجَابَةِ الْمَلْهُوفِينَ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْوَقْتِ الَّذِي يُفَرَّجُ فِيهِ عَنْ كُلِّ مَهْمُومٍ السَّادِسُ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ خَصَّ الصُّبْحَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ أُنْمُوذَجٌ مِنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لِأَنَّ الْخَلْقَ كَالْأَمْوَاتِ وَالدُّورَ كَالْقُبُورِ، ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَخْرُجُ مِنْ دَارِهِ مُفْلِسًا عُرْيَانًا لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ مَدْيُونًا فَيُجَرُّ إِلَى الْحَبْسِ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ مَلِكًا مُطَاعًا فَتُقَدَّمُ إِلَيْهِ الْمَرَاكِبُ وَيَقُومُ النَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ، كَذَا فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ بَعْضُهُمْ مُفْلِسٌ عَنِ الثَّوَابِ عَارٍ عَنْ لِبَاسِ التَّقْوَى يُجَرُّ إِلَى الْمَلِكِ الْجَبَّارِ، وَمَنْ عَبَدَ كَانَ مُطِيعًا لِرَبِّهِ فِي الدُّنْيَا فَصَارَ مَلِكًا مُطَاعًا فِي الْعُقْبَى يُقَدَّمُ إِلَيْهِ الْبُرَاقُ السَّابِعُ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَعَالَى خَصَّ الصُّبْحَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْجَامِعَةِ لِأَحْوَالِ الْقِيَامَةِ فَالْقِيَامُ فِي الصَّلَاةِ يُذَكِّرُ الْقِيَامَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا قَالَ: يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ [الْمُطَفِّفِينَ: ٦] وَالْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَاةِ تُذَكِّرُ قِرَاءَةَ الْكُتُبِ وَالرُّكُوعُ فِي الصلاة يذكر من القيامة قوله:

ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ [السَّجْدَةِ: ١٢] وَالسُّجُودُ فِي الصَّلَاةِ يُذَكِّرُ قَوْلُهُ: وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ [الْقَلَمِ: ٤٢] وَالْقُعُودُ يَذَكِّرُ قَوْلَهُ: وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً [الْجَاثِيَةِ: ٢٨] فَكَانَ الْعَبْدُ يَقُولُ: إِلَهِي كَمَا خَلَّصْتَنِي مِنْ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ فَخَلِّصْنِي مِنْ هَذِهِ الْأَهْوَالِ، وَإِنَّمَا خُصَّ وَقْتُ صَلَاةِ الصُّبْحِ لِأَنَّ لَهَا مَزِيدَ شَرَفٍ عَلَى مَا قَالَ: إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً [الْإِسْرَاءِ: ٧٨] أَيْ تَحْضُرُهَا مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ الثَّامِنُ: أَنَّهُ وَقْتُ الِاسْتِغْفَارِ

<<  <  ج: ص:  >  >>