للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِنَ النُّخَامَةِ كَمَا تَنْزَوِي الْجِلْدَةُ فِي النَّارِ» ،

أَيْ يَنْضَمُّ وَيَنْقَبِضُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُرَادُ أَنَّ كَوْنَهُ مَسْجِدًا يَقْتَضِي التَّعْظِيمَ وَإِلْقَاءُ النُّخَامَةِ يَقْتَضِي التَّحْقِيرَ، وَبَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ، فَعَبَّرَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ تِلْكَ الْمُنَافَاةِ

بِقَوْلِهِ: لَيَنْزَوِي،

وَقَالَ آخَرُونَ: أَرَادَ أَهْلَ الْمَسْجِدِ وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ،

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَلَا يَبْصُقْ أَمَامَهُ فَإِنَّهُ يُنَاجِي اللَّهَ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ، وَلَا عَنْ يَمِينِهِ فَإِنَّ عَنْ يَمِينِهِ مَلَكًا، وَلَكِنْ لِيَبْصُقْ عَنْ شِمَالِهِ أَوْ تَحْتَ رِجْلَيْهِ فَيَدْفِنُهُ» .

وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رَأَى نُخَامَةً فِي الْقِبْلَةِ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ حتى رؤي فِي وَجْهِهِ فَقَامَ فَحَكَّهُ بِيَدِهِ وَقَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ فِي صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ فَلَا يَبْزُقَنَّ أَحَدُكُمْ فِي قِبْلَتِهِ وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ قَالَ: ثُمَّ أَخَذَ طَرَفَ رِدَائِهِ فَبَصَقَ فِيهِ ثُمَّ رَدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ وَقَالَ: يَفْعَلُ هَكَذَا» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ.

الْعَاشِرُ: فِي الثُّومِ وَالْبَصَلِ:

فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْمُنْتِنَةِ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ الْإِنْسُ» ،

وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: «مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا»

وَأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أُتِيَ بِقِدْرٍ فِيهِ خُضَرٌ فَوَجَدَ لَهَا رِيحًا، فَسَأَلَ فَأُخْبِرَ بِمَا فِيهِ مِنَ الْبُقُولِ، فَقَالَ: «قَرِّبُوهَا إِلَى بَعْضِ مَنْ كَانَ حَاضِرًا، وَقَالَ/ لَهُ كُلْ فَإِنِّي أُنَاجِي مَنْ لَا تُنَاجِي» أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ.

الْحَادِيَ عَشَرَ: فِي الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ،

عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ فِي الدُّورِ، وَأَنْ يُنَظَّفَ وَيُطَيَّبَ،

أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ إِذْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَهْ مَهْ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا تُزْرِمُوهُ» ، ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنَ الْعَذِرَةِ وَالْبَوْلِ وَالْخَلَاءِ، إِنَّمَا هِيَ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَذِكْرِ اللَّهِ وَالصَّلَاةِ» ، ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَصَبُّوا عَلَيْهِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي دُخُولِ الْكَافِرِ الْمَسْجِدَ، فَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ مُطْلَقًا، وَأَبَاهُ مَالِكٌ مُطْلَقًا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يُمْنَعُ مِنْ دُخُولِ الْحَرَمِ والمسجد الحرام، احتج الشَّافِعِيُّ بِوُجُوهٍ. أَوَّلُهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هَذَا [التَّوْبَةِ: ٢٨] قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَدْ يَكُونُ الْمُرَادُ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الْحَرَمَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ [الْإِسْرَاءِ: ١] وَإِنَّمَا أُسْرِيَ بِهِ مِنْ بَيْتِ خَدِيجَةَ. فَالْآيَةُ دَالَّةٌ إِمَّا عَلَى الْمَسْجِدِ فَقَطْ، أَوْ عَلَى الْحَرَمِ كُلِّهِ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَالْمَقْصُودُ حَاصِلٌ، لِأَنَّ الْخِلَافَ حَاصِلٌ فِيهِمَا جَمِيعًا، فَإِنْ قِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ الْحَجُّ وَلِهَذَا قَالَ: بَعْدَ عامِهِمْ هَذَا لِأَنَّ الْحَجَّ إِنَّمَا يُفْعَلُ فِي السَّنَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً، قُلْنَا: هَذَا ضَعِيفٌ لِوُجُوهٍ. أَحَدُهَا: أَنَّهُ تَرْكٌ لِلظَّاهِرِ مِنْ غَيْرِ مُوجِبٍ. الثَّانِي: ثَبَتَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ مُشْعِرٌ بِكَوْنِ ذَلِكَ الْوَصْفِ عِلَّةً لِذَلِكَ الْحُكْمِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ قُرْبِهِمْ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ نَجَاسَتُهُمْ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ مَا دَامُوا مُشْرِكِينَ كَانُوا مَمْنُوعِينَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ تَعَالَى لَوْ أَرَادَ الْحَجَّ لَذَكَرَ مِنَ الْبِقَاعِ مَا يَقَعُ فِيهِ مُعْظَمُ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَهُوَ عَرَفَةُ. الرَّابِعُ: الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ دُخُولُ الْحَرَمِ لَا الْحَجُّ فَقَطْ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [التَّوْبَةِ: ٢٨] فَأَرَادَ بِهِ الدُّخُولَ لِلتِّجَارَةِ. وَثَانِيهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: أُولئِكَ مَا كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يُمْنَعُوا مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ، وَأَنَّهُمْ مَتَى دَخَلُوا كَانُوا خَائِفِينَ مِنَ الْإِخْرَاجِ إِلَّا مَا قَامَ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ فَإِنْ قِيلَ: هَذِهِ الْآيَةُ مَخْصُوصَةٌ بِمَنْ خَرَّبَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، أَوْ بِمَنْ مَنَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم من