السَّادِسَ عَشَرَ:
قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي خُطْبَةٍ لَهُ: «وَبَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ قَبْلَ أَنْ تَشْتَغِلُوا»
وَلَا شَكَّ أَنَّ الصَّلَاةَ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ.
السَّابِعَ عَشَرَ: أَنَّ تَعْجِيلَ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ أَفْضَلُ مِنْ تَأْخِيرِهَا، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْحَالُ فِي أداء حقوق اللَّهِ تَعَالَى كَذَلِكَ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا رِعَايَةُ مَعْنَى التَّعْظِيمِ.
الثَّامِنَ عَشَرَ: أَنَّ الْمُبَادَرَةَ وَالْمُسَارَعَةَ إِلَى الصَّلَاةِ إِظْهَارٌ لِلْحِرْصِ عَلَى الطَّاعَةِ، وَالْوَلُوعِ بِهَا، وَالرَّغْبَةِ فِيهَا وَفِي التَّأْخِيرِ كَسَلٌ عَنْهَا، فَيَكُونُ الْأَوَّلُ أَوْلَى.
التَّاسِعَ عَشَرَ: أَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي تَعْجِيلِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ إِذَا أَدَّاهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ تَفَرَّغَتْ ذِمَّتُهُ، فَإِذَا أَخَّرَ فَرُبَّمَا عَرَضَ لَهُ شُغْلٌ فَمَنَعَهُ عَنْ أَدَائِهَا فَيَبْقَى الْوَاجِبُ فِي ذِمَّتِهِ، فَالْوَجْهُ الَّذِي يَحْصُلُ فِيهِ الِاحْتِيَاطُ لَا شَكَّ أَنَّهُ أَوْلَى.
الْعِشْرُونَ: أَجْمَعْنَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ أَنَّ تَعْجِيلَهُ أَفْضَلُ مِنْ تَأْخِيرِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَرِيضَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَيُؤَخِّرَ الصَّوْمَ، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعَجِّلَ وَيَصُومَ فِي الْحَالِ، ثُمَّ أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ التَّعْجِيلَ فِي الصَّوْمِ أَفْضَلُ عَلَى مَا قَالَ: وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ [الْبَقَرَةِ: ١٨٤] فَوَجَبَ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ التَّعْجِيلُ فِي الصَّلَاةِ أَوْلَى فَإِنْ قِيلَ:
تَنْتَقِضُ هَذِهِ الدَّلَائِلُ الْقِيَاسِيَّةُ بِالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، أَوْ بِمَا إِذَا حَصَلَ لَهُ رَجَاءُ إِدْرَاكِ/ الْجَمَاعَةِ أَوْ وُجُودُ الْمَاءِ قُلْنَا: التَّأْخِيرُ ثَبَتَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لِأُمُورٍ عَارِضَةٍ، وَكَلَامُنَا فِي مُقْتَضَى الْأَصْلِ.
الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: الْمُسَارَعَةُ إِلَى الِامْتِثَالِ أَحْسَنُ فِي الْعُرْفِ مِنْ تَرْكِ الْمُسَارَعَةِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي الشَّرْعِ كَذَلِكَ
لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدُ اللَّهِ حَسَنٌ»
. الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: صَلَاةٌ كَمُلَتْ شَرَائِطُهَا فَوَجَبَ أَدَاؤُهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، كَالْمَغْرِبِ فَفِيهِ احْتِرَازٌ عَنِ الظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُسْتَحَبُّ التَّأْخِيرُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي الْمَسْجِدِ لِأَجْلِ أَنَّ الْمَشْيَ إِلَى الْمَسْجِدِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ كَالْمَانِعِ، أَمَّا إِذَا صَلَّاهَا فِي دَارِهِ فَالتَّعْجِيلُ أَفْضَلُ، وَفِيهِ احْتِرَازٌ عَمَّنْ يُدَافِعُ الْأَخْبَثَيْنِ أَوْ حَضَرَهُ الطَّعَامُ وَبِهِ جُوعٌ لِهَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا، وَكَذَلِكَ الْمُتَيَمِّمُ إِذَا كَانَ عَلَى ثِقَةٍ مِنْ وُجُودِ الْمَاءِ، وَكَذَلِكَ إِذَا تَوَقَّعَ حُضُورَ الْجَمَاعَةِ فَإِنَّ الْكَمَالَ لَمْ يَحْصُلْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، فَهَذِهِ هِيَ الْأَدِلَّةُ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّ الْمُسَارَعَةَ أَفْضَلُ، وَلْنَذْكُرْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ:
أَمَّا صَلَاةُ الْفَجْرِ فَقَالَ مُحَمَّدٌ: الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْخُلَ فِيهَا بِالتَّغْلِيسِ، وَيَخْرُجَ مِنْهَا بِالْإِسْفَارِ، فَإِنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى أَحَدِ الْوَقْتَيْنِ فَالْإِسْفَارُ أَفْضَلُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: التَّغْلِيسُ أَفْضَلُ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ، وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعْدَ الدَّلَائِلِ السَّالِفَةِ بِوُجُوهٍ. أَحَدُهَا: مَا
أُخْرِجَ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِرِوَايَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُصَلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ وَالنِّسَاءُ مُتَلَفِّعَاتٌ بِمُرُوطِهِنَّ مَا يُعْرَفْنَ مِنَ الْغَلَسِ»
قَالَ مُحْيِي السُّنَّةِ فِي كِتَابِ «شَرْحِ السُّنَّةِ» : مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ أَيْ مُتَجَلِّلَاتٍ بِأَكْسِيَتِهِنَّ، وَالتَّلَفُّعُ بِالثَّوْبِ الِاشْتِمَالُ، وَالْمُرُوطُ: الْأَرْدِيَةُ الْوَاسِعَةُ، وَاحِدُهَا مِرْطٌ، وَالْغَلَسُ: ظُلْمَةُ آخِرِ اللَّيْلِ، فَإِنْ قِيلَ: كَانَ هَذَا فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ حِينَ كَانَ النِّسَاءُ يَحْضُرْنَ الْجَمَاعَاتِ، فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِالْغَلَسِ كَيْلَا يُعْرَفْنَ، وَهَكَذَا كَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُصَلِّي بِالْغَلَسِ، ثُمَّ لَمَّا نُهِينَ عَنِ الْحُضُورِ فِي الْجَمَاعَاتِ تَرَكَ ذَلِكَ قُلْنَا:
الْأَصْلُ الْمَرْجُوعُ إِلَيْهِ فِي إِثْبَاتِ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ عَدَمُ النَّسْخِ، وَلَوْلَا هَذَا الْأَصْلُ لَمَا جَازَ الِاسْتِدْلَالُ بِشَيْءٍ مِنَ