للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: مَعْنَى قَوْلِهِ: وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا كَقَوْلِهِ: وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا [الْبَقَرَةِ:

٤١] وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ وَبِالْجُمْلَةِ فَكَانَ غَرَضُهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْكِتْمَانِ: أَخْذَ الْأَمْوَالِ بِسَبَبِ ذَلِكَ، فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنِ اشْتِرَائِهِمْ بِذَلِكَ ثَمَنًا قَلِيلًا.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: إِنَّمَا سَمَّاهُ قَلِيلًا إِمَّا لِأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ قَلِيلٌ، وَإِمَّا لِأَنَّهُ بِالْإِضَافَةِ إِلَى مَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ الْعَظِيمِ قَلِيلٌ.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: مِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ: كَانَ غَرَضُهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْكِتْمَانِ أَخْذَ الْأَمْوَالِ مِنْ عَوَامِّهِمْ وَأَتْبَاعِهِمْ، وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانَ غَرَضُهُمْ مِنْ ذَلِكَ أَخْذَهُمُ الْأَمْوَالَ مِنْ كُبَرَائِهِمْ وَأَغْنِيَائِهِمُ الَّذِينَ كَانُوا نَاصِرِينَ لِذَلِكَ الْمَذْهَبِ، وَلَيْسَ فِي الظَّاهِرِ أَكْثَرُ مِنِ اشْتِرَائِهِمْ بِذَلِكَ الْكِتْمَانِ الثَّمَنَ الْقَلِيلَ، وَلَيْسَ فِيهِ بَيَانُ مَنْ طَمِعُوا فِيهِ وَأَخَذُوا مِنْهُ، فَالْكَلَامُ مُجْمَلٌ وَإِنَّمَا يَتَوَجَّهُ الطَّمَعُ فِي ذَلِكَ إِلَى مَنْ يَجْتَمِعُ إِلَيْهِ الْجَهْلُ، وَقِلَّةُ الْمَعْرِفَةِ الْمُتَمَكِّنُ مِنَ الْمَالِ وَالشُّحُّ عَلَى الْمَأْلُوفِ فِي الدِّينِ فَيَنْزِلُ عَلَيْهِ مَا يَلْتَمِسُ مِنْهُ فَهَذَا هُوَ مَعْلُومٌ بِالْعَادَةِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ هَذِهِ الْحِكَايَةَ عَنْهُمْ ذَكَرَ الْوَعِيدَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ أَوَّلُهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: أُولئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ بعضهم: ذكر البطن هاهنا زِيَادَةُ بَيَانٍ لِأَنَّهُ يُقَالُ أَكَلَ فُلَانٌ الْمَالَ إِذَا بَدَرَهُ وَأَفْسَدَهُ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ فِيهِ فَائِدَةٌ فَقَوْلُهُ: فِي بُطُونِهِمْ أَيْ مِلْءَ بُطُونِهِمْ يُقَالُ: أَكَلَ فُلَانٌ فِي بَطْنِهِ وَأَكَلَ فِي بَعْضِ بَطْنِهِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قِيلَ: إِنَّ أَكْلَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَإِنْ كَانَ طَيِّبًا فِي الْحَالِ فَعَاقِبَتُهُ النَّارُ فَوُصِفَ بِذَلِكَ كَقَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا [النِّسَاءِ: ١٠] عَنِ الْحَسَنِ وَالرَّبِيعِ وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا أَكَلَ مَا يُوجِبُ النَّارَ فَكَأَنَّهُ أَكَلَ النَّارَ، كَمَا

رُوِيَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ «الشَّارِبُ مِنْ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ»

وَقَوْلُهُ: إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً [يُوسُفَ: ٣٦] أي عنباً فسماه باسم ما يؤول إِلَيْهِ وَقِيلَ: إِنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ يَأْكُلُونَ النَّارَ لأكلهم في الدنيا الحرام عن الأصم وثانيها: قَوْلُهُ تَعَالَى:

وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ فَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ أَصْلًا لَكِنَّهُ لَمَّا أَوْرَدَهُ مَوْرِدَ الْوَعِيدِ فُهِمَ مِنْهُ مَا يَجْرِي مَجْرَى الْعُقُوبَةِ لَهُمْ، وَذَكَرُوا فِيهِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ قَدْ دَلَّتِ الدَّلَائِلُ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يكلمهم، وذلك قوله: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ [الحجر: ٩٢، ٩٣] وقوله: فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ [الْأَعْرَافِ: ٦] فَعَرَفْنَا أَنَّهُ يَسْأَلُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ، وَالسُّؤَالُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِكَلَامٍ فَقَالُوا: وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ أَنَّهُ تَعَالَى لَا يُكَلِّمُهُمْ بِتَحِيَّةٍ وَسَلَامٍ وَإِنَّمَا يُكَلِّمُهُمْ بِمَا يَعْظَمُ عِنْدَهُ مِنَ الْغَمِّ وَالْحَسْرَةِ من المناقشة والمساءلة وبقوله: اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ [الْمُؤْمِنُونَ: ١٠٨] الثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى لا يكلمهم وأما قوله تعالى: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [الْحِجْرِ: ٩٢] فَالسُّؤَالُ إِنَّمَا يَكُونُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ بِأَمْرِهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا كَانَ عَدَمُ تَكْلِيمِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَذْكُورًا فِي مَعْرِضِ التَّهْدِيدِ لِأَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي يُكَلِّمُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ كُلَّ الْخَلَائِقِ بِلَا وَاسِطَةٍ فَيَظْهَرُ عِنْدَ كَلَامِهِ السُّرُورُ فِي أَوْلِيَائِهِ، وَضِدُّهُ فِي أَعْدَائِهِ، وَيَتَمَيَّزُ أَهْلُ الْجَنَّةِ بِذَلِكَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَلَا جَرَمَ كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الْوَعِيدِ الثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَهُ: وَلا يُكَلِّمُهُمُ اسْتِعَارَةٌ عَنِ الْغَضَبِ لِأَنَّ عَادَةَ الْمُلُوكِ أَنَّهُمْ عِنْدَ الْغَضَبِ يُعْرِضُونَ عَنِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِ وَلَا يُكَلِّمُونَهُ كَمَا أَنَّهُمْ عِنْدَ الرِّضَا يُقْبِلُونَ عَلَيْهِ بِالْوَجْهِ وَالْحَدِيثِ وَثَالِثُهَا: قَوْلُهُ: وَلا يُزَكِّيهِمْ وَفِيهِ وُجُوهٌ الْأَوَّلُ: لَا يَنْسُبُهُمْ إِلَى التَّزْكِيَةِ وَلَا يُثْنِي عَلَيْهِمْ الثاني: لا