للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إِلَّا أَنَّهُ مِنْ بَابِ إِيضَاحِ الْوَاضِحَاتِ وَهُوَ عَبَثٌ، فَثَبَتَ أَنَّ الْخَوْضَ فِي هَذَا الْبَحْثِ عَلَى جَمِيعِ التَّقْدِيرَاتِ يَجْرِي مَجْرَى الْعَبَثِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اعْلَمْ أَنَّا اسْتَخْرَجْنَا لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ الِاسْمُ نَفْسُ الْمُسَمَّى تَأْوِيلًا لَطِيفًا دَقِيقًا، وَبَيَانُهُ أَنَّ الِاسْمَ اسْمٌ لِكُلِّ لَفْظٍ دَلَّ عَلَى مَعْنًى مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدُلَّ عَلَى زَمَانٍ مُعَيَّنٍ، وَلَفْظُ الِاسْمِ كَذَلِكَ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَفْظُ الِاسْمِ اسْمًا لِنَفْسِهِ، فَيَكُونُ لَفْظُ الِاسْمِ مُسَمًّى بِلَفْظِ الِاسْمِ، فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ الِاسْمُ نَفْسُ الْمُسَمَّى، إِلَّا أَنَّ فِيهِ إِشْكَالًا، وَهُوَ أَنَّ كَوْنَ الِاسْمِ اسْمًا لِلْمُسَمَّى مِنْ بَابِ الِاسْمِ الْمُضَافِ، وَأَحَدُ الْمُضَافَيْنِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مُغَايِرًا لِلْآخَرِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: فِي ذِكْرِ الدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ الِاسْمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُسَمَّى، وَفِيهِ وُجُوهٌ: - الْأَوَّلُ: أَنَّ الِاسْمَ قَدْ يَكُونُ مَوْجُودًا مَعَ كَوْنِ الْمُسَمَّى مَعْدُومًا، فَإِنَّ قَوْلَنَا: «الْمَعْدُومُ مَنْفِيٌّ» مَعْنَاهُ سَلْبٌ لَا ثُبُوتَ لَهُ، وَالْأَلْفَاظُ مَوْجُودَةٌ مَعَ أَنَّ الْمُسَمَّى بِهَا عَدَمُ مَحْضٍ وَنَفْيُ صَرْفٍ، وَأَيْضًا قَدْ يَكُونُ الْمُسَمَّى مَوْجُودًا وَالِاسْمُ مَعْدُومًا مِثْلَ الْحَقَائِقِ الَّتِي مَا وَضَعُوا لَهَا أَسْمَاءً مُعَيَّنَةً، وَبِالْجُمْلَةِ فَثُبُوتُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَالَ عَدَمِ الْآخَرِ مَعْلُومٌ مُقَرَّرٌ وَذَلِكَ يُوجِبُ الْمُغَايَرَةَ.

الثَّانِي: أَنَّ الْأَسْمَاءَ تَكُونُ كَثِيرَةً مَعَ كَوْنِ المسمى واحد كَالْأَسْمَاءِ الْمُتَرَادِفَةِ، وَقَدْ يَكُونُ الِاسْمُ وَاحِدًا وَالْمُسَمَّيَاتُ كَثِيرَةً كَالْأَسْمَاءِ الْمُشْتَرَكَةِ، وَذَلِكَ أَيْضًا يُوجِبُ الْمُغَايَرَةَ.

الثَّالِثُ: أَنَّ كَوْنَ الِاسْمِ اسْمًا لِلْمُسَمَّى وَكَوْنَ المسمى مسمى بِالِاسْمِ مِنْ بَابِ الْإِضَافَةِ كَالْمَالِكِيَّةِ وَالْمَمْلُوكِيَّةِ، وَأَحَدُ الْمُضَافَيْنِ مُغَايِرٌ لِلْآخَرِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: يُشْكِلُ هَذَا بِكَوْنِ الشَّيْءِ عَالِمًا بِنَفْسِهِ.

الرَّابِعُ: الِاسْمُ أَصْوَاتٌ مُقَطَّعَةٌ وُضِعَتْ لِتَعْرِيفِ الْمُسَمَّيَاتِ، وَتِلْكَ الْأَصْوَاتُ أَعْرَاضٌ غَيْرُ بَاقِيَةٍ، وَالْمُسَمَّى قَدْ يَكُونُ بَاقِيًا، بَلْ يَكُونُ وَاجِبَ الْوُجُودِ لِذَاتِهِ.

الْخَامِسُ: أَنَّا إِذَا تَلَفَّظْنَا بِالنَّارِ وَالثَّلْجِ فَهَذَانِ اللَّفْظَانِ مَوْجُودَانِ فِي أَلْسِنَتِنَا، فَلَوْ كَانَ الِاسْمُ نَفْسَ الْمُسَمَّى لَزِمَ أَنْ يَحْصُلَ فِي أَلْسِنَتِنَا النَّارُ وَالثَّلْجُ، وَذَلِكَ لَا يَقُولُهُ عَاقِلٌ.

السَّادِسُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها

وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا»

فَهَهُنَا الْأَسْمَاءُ كَثِيرَةٌ وَالْمُسَمَّى وَاحِدٌ، وَهُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.

السَّابِعُ: أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: بِسْمِ اللَّهِ وَقَوْلَهُ: تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ [الرَّحْمَنِ: ٧٨] فَفِي هَذِهِ الْآيَاتِ يَقْتَضِي إِضَافَةُ الِاسْمِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِضَافَةُ الشَّيْءِ إِلَى نَفْسِهِ مُحَالٌ.

الثَّامِنُ: أَنَّا نُدْرِكُ تَفْرِقَةً ضَرُورِيَّةً بَيْنَ قَوْلِنَا اسْمُ اللَّهِ، وَبَيْنَ قَوْلِنَا اسْمُ الِاسْمِ، وَبَيْنَ قَوْلِنَا اللَّهُ اللَّهُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاسْمَ غَيْرُ الْمُسَمَّى.

التَّاسِعُ: أَنَّا نَصِفُ الْأَسْمَاءَ بِكَوْنِهَا عَرَبِيَّةً وَفَارِسِيَّةً فَنَقُولُ: اللَّهُ اسْمٌ عَرَبِيٌّ، وَخَدَايُ اسْمٌ فَارِسِيٌّ، وَأَمَّا ذَاتُ اللَّهِ تَعَالَى فَمُنَزَّهٌ عَنْ كَوْنِهِ كَذَلِكَ.

الْعَاشِرُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها [الْأَعْرَافِ: ١٨٠] أَمَرَنَا بِأَنْ نَدْعُوَ اللَّهَ بأسمائه