للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رمضان فقد شهد جزأ مِنْ أَجْزَاءِ الشَّهْرِ، وَقَدْ تَحَقَّقَ الشَّرْطُ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ، وَهُوَ الْأَمْرُ بِصَوْمِ كُلِّ الشَّهْرِ، وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ يَسْتَقِيمُ مَعْنَى الْآيَةِ وَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا حَمْلُ لَفْظِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ وَهُوَ مَجَازٌ مَشْهُورٌ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ، فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ أَوَّلَ الشَّهْرِ فَلْيَصُمْ جَمِيعَهُ وَقَدْ عَرَفْتَ بِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الدَّلِيلِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَتَّةَ إِلَّا هَذَا الْقَوْلُ، ثُمَّ يَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ فَرْعَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ إِذَا شَهِدَ أَوَّلَ الشَّهْرِ هَلْ يَلْزَمُهُ صَوْمُ كُلِّ الشَّهْرِ وَالثَّانِي: أَنَّهُ إِذَا شَهِدَ آخِرَ الشَّهْرِ هَلْ يَلْزَمُهُ صَوْمُ كُلِّ الشَّهْرِ.

أَمَّا الْأَوَّلُ: فَهُوَ أَنَّهُ

نُقِلَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ الشَّهْرُ وَهُوَ مُقِيمٌ ثُمَّ سَافَرَ، أَنَّ الْوَاجِبَ أَنْ يَصُومَ الْكُلَّ،

لِأَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ شَهِدَ أَوَّلَ الشَّهْرِ وَجَبَ عَلَيْهِ صَوْمُ كُلِّ الشَّهْرِ، وَأَمَّا سَائِرُ الْمُجْتَهِدِينَ فَيَقُولُونَ: أن قوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ: أَنَّ مَنْ شَهِدَ أَوَّلَ الشَّهْرِ فَلْيَصُمْهُ كُلَّهُ إِلَّا أَنَّهُ عَامٌّ يَدْخُلُ فِيهِ الْحَاضِرُ وَالْمُسَافِرُ، وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ خَاصٌّ وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ. فَثَبَتَ أَنَّهُ وَإِنْ سَافَرَ بَعْدَ شهوة الشَّهْرِ فَإِنَّهُ يَحِلُّ لَهُ الْإِفْطَارُ.

وَأَمَّا الثَّانِي: وَهُوَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ زَعَمَ أَنَّ الْمَجْنُونَ إِذَا أَفَاقَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ يَلْزَمُهُ قَضَاءَ مَا مَضَى، قَالَ: لِأَنَّا قَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ مَنْ أدرك جزأ مِنْ رَمَضَانَ لَزِمَهُ صَوْمُ كُلِّ رَمَضَانَ وَالْمَجْنُونُ إِذَا أَفَاقَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ فَقَدْ شَهِدَ جزأ مِنْ رَمَضَانَ فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ صَوْمُ كُلِّ رَمَضَانَ، فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ صِيَامُ مَا تَقَدَّمَ فَالْقَضَاءُ وَاجِبٌ.

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ يَسْتَدْعِي بَحْثَيْنِ:

الْبَحْثُ الْأَوَّلُ: أَنَّ شُهُودَ الشَّهْرِ بِمَاذَا يَحْصُلُ؟ فَنَقُولُ: إِمَّا بِالرُّؤْيَةِ وَإِمَّا بِالسَّمَاعِ، أَمَّا الرُّؤْيَةُ فَنَقُولُ: إِذَا رَأَى إِنْسَانٌ هِلَالَ رَمَضَانَ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُنْفَرِدًا بِتِلْكَ الرُّؤْيَةِ أَوْ لَا يَكُونَ، فَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا بِهَا فَإِمَّا أَنْ يَرُدَّ الْإِمَامُ شَهَادَتَهُ أَوْ لَا يَرُدَّهَا، فَإِنْ تَفَرَّدَ بِالرُّؤْيَةِ وَرَدَّ الْإِمَامُ شَهَادَتَهُ، لَزِمَهُ أَنْ يَصُومَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ شُهُودَ الشَّهْرِ سَبَبًا لِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَيْهِ، وَقَدْ حَصَلَ شُهُودُ الشَّهْرِ فِي حَقِّهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ، وَأَمَّا إِنِ انْفَرَدَ بِالرُّؤْيَةِ وَقَبِلَ الْإِمَامُ شَهَادَتَهُ أَوْ لَمْ يَنْفَرِدْ بِالرُّؤْيَةِ فَلَا كَلَامَ فِي وُجُوبِ الصَّوْمِ، وَأَمَّا السَّمَاعُ فَنَقُولُ إِذَا شَهِدَ عَدْلَانِ عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ حُكِمَ بِهِ فِي الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ جَمِيعًا، وَإِذَا شَهِدَ عَدْلٌ وَاحِدٌ عَلَى رُؤْيَةِ هِلَالِ شَوَّالٍ لَا يُحْكَمُ بِهِ وَإِذَا شَهِدَ عَلَى هِلَالِ رَمَضَانَ/ يُحْكَمُ بِهِ احْتِيَاطًا لِأَمْرِ الصَّوْمِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ هِلَالِ شَوَّالٍ أَنَّ هِلَالَ رَمَضَانَ لِلدُّخُولِ فِي الْعِبَادَةِ وَهِلَالَ شَوَّالٍ لِلْخُرُوجِ مِنَ الْعِبَادَةِ، وَقَوْلُ الْوَاحِدِ فِي إِثْبَاتِ الْعِبَادَةِ يُقْبَلُ، أَمَّا فِي الْخُرُوجِ مِنَ الْعِبَادَةِ لَا يُقْبَلُ إِلَّا عَلَى قَوْلِ الِاثْنَيْنِ، وَعَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ، لِأَنَّا إِنَّمَا قَبِلْنَا قَوْلَ الْوَاحِدِ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ لِكَيْ يَصُومُوا وَلَا يُفْطِرُوا احْتِيَاطًا فَكَذَلِكَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَاحِدِ فِي هِلَالِ شَوَّالٍ لِكَيْ يَصُومُوا وَلَا يُفْطِرُوا احْتِيَاطًا.

الْبَحْثُ الثَّانِي فِي الصَّوْمِ: فَنَقُولُ: إِنَّ الصَّوْمَ هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنِ الْمُفْطِرَاتِ مَعَ الْعِلْمِ بِكَوْنِهِ صَائِمًا مِنْ أَوَّلِ طُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ إِلَى حِينِ غُرُوبِ الشَّمْسِ مَعَ النِّيَّةِ وَفِي الْحَدِّ قُيُودٌ:

الْقَيْدُ الْأَوَّلُ: الْإِمْسَاكُ وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا: لَوْ طَارَتْ ذُبَابَةٌ إِلَى حَلْقِهِ، أَوْ وَصَلَ غُبَارُ الطَّرِيقِ إِلَى بَطْنِهِ لَا يَبْطُلُ صَوْمُهُ، لِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْهُ شَاقٌّ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ فِي آيَةِ الصَّوْمِ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ