عَلَيْهِ السَّلَامُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ: أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ/ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنْ تُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ وَتَعْتَمِرَ،
وَرَوَى النُّعْمَانُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَوْسٍ عَنْ أَبِي رَزِينٍ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فقال: إن أبي شيخ كفي أَدْرَكَ الْإِسْلَامَ، وَلَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَلَا الظَّعْنَ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: حُجَّ عَنْ أَبِيكَ وَاعْتَمِرْ، فَأَمَرَ بِهِمَا، وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ،
وَمِنْهَا مَا
رَوَى ابْنُ سِيرِينَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: «الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فَرْضَانِ لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِمَا بَدَأْتَ»
وَمِنْهَا ما
روت عائشة رضي الله عنها بنت طلحة عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ؟ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ: الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ.
الْحُجَّةُ الرَّابِعَةُ: فِي وُجُوبِ الْعُمْرَةِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ الْحَجِّ، وَلَوْ لَمْ تَكُنِ الْعُمْرَةُ وَاجِبَةً لَكَانَ الْأَشْبَهُ أَنْ يُبَادِرَ إِلَى الْحَجِّ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ، وَحُجَّةُ مَنْ قَالَ: الْعُمْرَةُ لَيْسَتْ وَاجِبَةً وُجُوهٌ:
الْحُجَّةُ الْأُولَى:
قَصَدَ الْأَعْرَابِيُّ الَّذِي سَأَلَ الرَّسُولَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ فَعَلَّمَهُ الصَّلَاةَ، وَالزَّكَاةَ، وَالْحَجَّ، وَالصَّوْمَ، فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُ هَذَا؟ قَالَ: لَا إِلَّا أَنْ تَطَوَّعْ، فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: أَفْلَحَ الْأَعْرَابِيُّ إِنْ صَدَقَ،
وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَحَجِّ الْبَيْتِ»
وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «صَلُّوا خَمْسَكُمْ وَزَكُّوا أَمْوَالَكُمْ وَحُجُّوا بَيْتَكُمْ تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ»
فَهَذِهِ أَخْبَارٌ مَشْهُورَةٌ كَالْمُتَوَاتِرَةِ فَلَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا وَلَا رَدُّهَا،
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سئل عن الْعُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ أَمْ لَا؟ فَقَالَ: لَا وَإِنْ تَعْتَمِرْ خَيْرٌ لَكَ،
وَعَنْ مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ الْحَنَفِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْحَجُّ جِهَادٌ وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ» .
وَالْجَوَابُ: مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا: أَنَّ مَا ذَكَرْتُمْ أَخْبَارٌ آحَادٌ فَلَا تُعَارِضُ الْقُرْآنَ وَثَانِيهَا: لَعَلَّ العمرة ما كانت واجبة عند ما ذَكَرَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ تِلْكَ الْأَحَادِيثَ، ثُمَّ نَزَلَ بَعْدَهَا قَوْلُهُ: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ وَهَذَا هُوَ الْأَقْرَبُ، لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ إِنَّمَا نَزَلَتْ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ وَثَالِثُهَا: أَنَّ قِصَّةَ الْأَعْرَابِيِّ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى ذِكْرِ الْحَجِّ وَلَيْسَ فِيهَا بَيَانُ تَفْصِيلِ الْحَجِّ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْعُمْرَةَ حَجٌّ لِأَنَّهَا هِيَ الْحَجُّ الْأَصْغَرُ، فَلَا تَكُونُ هِيَ مُنَافِيَةً لِوُجُوبِ الْعُمْرَةِ، وَأَمَّا حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ فَقَالُوا: رِوَايَةُ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: اعْلَمْ أَنَّ الْحَجَّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: الْإِفْرَادُ، وَالْقِرَانُ، وَالتَّمَتُّعُ، فَالْإِفْرَادُ أَنْ يَحُجَّ ثُمَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ يَعْتَمِرُ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ، أَوْ يعتمر قبل أشهر الحج، ثُمَّ يَحُجُّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، / وَالْقِرَانُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مَعًا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ بِأَنْ يَنْوِيَهُمَا بِقَلْبِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ قَبْلَ الطَّوَافِ أَدْخَلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ يَصِيرُ قِرَانًا، وَالتَّمَتُّعُ هُوَ أَنَّ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَيَأْتِي بِأَعْمَالِهَا ثُمَّ يَحُجُّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ تَمَتُّعًا لِأَنَّهُ يَسْتَمْتِعُ بِمَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ بَعْدَ التَّحَلُّلِ عَنِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ.
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْأَفْضَلِ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَفْضَلُهَا الْإِفْرَادُ ثُمَّ التَّمَتُّعُ ثُمَّ الْقِرَانُ وَقَالَ فِي اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ التَّمَتُّعُ أَفْضَلُ مِنَ الْإِفْرَادِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الْقِرَانُ أَفْضَلُ، ثُمَّ الْإِفْرَادُ، ثُمَّ التَّمَتُّعُ، وَهُوَ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ وَأَبِي إِسْحَاقَ وَالْمَرْوَزِيِّ