للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْجُمُعَةِ فَأَمَّا مَعْنَى: إِيَاسِ الْمُشْرِكِينَ: فَهُوَ أَنَّهُمْ يَئِسُوا مِنْ قَوْمِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنْ يَرْتَدُّوا رَاجِعِينَ إِلَى دِينِهِمْ، فَأَمَّا مَعْنَى إِكْمَالِ الدِّينِ فَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى مَا أَمَرَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ مِنَ الشَّرَائِعِ، وَأَمَّا إِتْمَامُ النِّعْمَةِ فَأَعْظَمُ النِّعَمِ نِعْمَةُ الدِّينِ، لِأَنَّ بِهَا يَسْتَحِقُّ الْفَوْزَ بِالْجَنَّةِ وَالْخَلَاصَ مِنَ النَّارِ، وَقَدْ تَمَّتْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَكَذَلِكَ قَالَ فِي آيَةِ الْوُضُوءِ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [الْمَائِدَةِ: ٦] وَلَمَّا جَاءَ الْبَشِيرُ وَقَدِمَ/ عَلَى يَعْقُوبَ، قَالَ: عَلَى أَيِّ دِينٍ تَرَكْتَ يُوسُفَ؟ قَالَ: عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ قَالَ: الْآنَ تَمَّتِ النِّعْمَةُ، وَأَمَّا مَعْنَى الرِّضْوَانِ فَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى رَضِيَ بِدِينِهِمُ الَّذِي تَمَسَّكُوا بِهِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ فَهِيَ بِشَارَةٌ بَشَّرَهُمْ بِهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَلَا يَوْمَ أَكْمَلُ مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي بَشَّرَهُمْ فِيهِ بِإِكْمَالِ الدِّينِ، وَقِيلَ: هَذَا الْيَوْمُ يَوْمُ صِلَةِ الْوَاصِلِينَ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي [الْمَائِدَةِ: ٣] وَيَوْمُ قَطِيعَةِ الْقَاطِعِينَ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ [التَّوْبَةِ: ٣] وَيَوْمُ إِقَالَةِ عَثْرِ النَّادِمِينَ وَقَبُولِ تَوْبَةِ التَّائِبِينَ رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا [الْأَعْرَافِ: ٢٣] فَكَمَا تَابَ بِرَحْمَتِهِ عَلَى آدَمَ فِيهِ فَكَذَلِكَ يَتُوبُ عَلَى أَوْلَادِهِ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ [الشُّورَى: ٢٥] وَهُوَ أَيْضًا يوم وقد الْوَافِدِينَ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا [الحج: ٢٧]

وفي الخبر «الحاج وقد اللَّهِ، وَالْحَاجُّ زُوَّارُ اللَّهِ وَحَقٌّ عَلَى الْمَزُورِ الْكَرِيمِ أَنْ يُكْرِمَ زَائِرَهُ» .

وَأَمَّا الْأَسْمَاءُ الْخَمْسَةُ الْأُخْرَى لِيَوْمِ عَرَفَةَ فَأَحَدُهَا: يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ [التَّوْبَةِ: ٣] وَهَذَا الِاسْمُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ عَرَفَةَ وَالنَّحْرِ، وَاخْتَلَفَ الصَّدْرُ الْأَوَّلُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِيهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ عَرَفَةُ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ فِيهِ الْوُقُوفُ بِعَرَفَاتٍ وَالْحَجُّ عَرَفَةُ إِذَا لَوْ أَدْرَكَهُ وَفَاتَهُ سَائِرُ مَنَاسِكِ الْحَجِّ أَجْزَأَ عَنْهَا الدَّمُ، فَلِهَذَا السَّبَبِ سُمِّيَ بِالْحَجِّ الْأَكْبَرِ قَالَ الْحَسَنُ: سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِ الْكُفَّارُ وَالْمُسْلِمُونَ، وَنُودِيَ فِيهِ أَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَهُ مُشْرِكٌ، وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: إِنَّمَا سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِ أَعْيَادُ أَهْلِ الْمِلَلِ كُلِّهَا مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَحَجَّ الْمُسْلِمُونَ وَلَمْ يَجْتَمِعْ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ يَوْمُ النَّحْرِ لِأَنَّهُ يَقَعُ فِيهِ أَكْثَرُ مَنَاسِكِ الْحَجِّ، فَأَمَّا الْوُقُوفُ فَلَا يَجِبُ فِي الْيَوْمِ بَلْ يُجْزِئُ فِي اللَّيْلِ وَرُوِيَ الْقَوْلَانِ جَمِيعًا عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَثَانِيهَا: الشَّفْعُ وَثَالِثُهَا: الْوَتْرُ وَرَابِعُهَا: الشَّاهِدُ وَخَامِسُهَا:

الْمَشْهُودُ فِي قَوْلِهِ: وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ [الْبُرُوجِ: ٣] وَهَذِهِ الْأَسْمَاءُ فَسَّرْنَاهَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ.

وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى خَصَّ يَوْمَ عَرَفَةَ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ أَيَّامِ الْحَجِّ بِفَضَائِلَ، مِنْهَا أَنَّهُ تَعَالَى خَصَّ صَوْمَهُ بِكَثْرَةِ الثَّوَابِ

قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «صَوْمُ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ كَفَّارَةُ سَنَةٍ وَصَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ»

وَعَنْ أَنَسٍ كَانَ يُقَالُ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ: كُلُّ يَوْمٍ بِأَلْفٍ وَيَوْمُ عَرَفَةَ بِعَشَرَةِ آلَافٍ بَلْ يُسْتَحَبُّ لِلْحَاجِّ الْوَاقِفِ بِعَرَفَاتٍ أَنْ يُفْطِرَ حَتَّى يَكُونَ وَقْتَ الدُّعَاءِ قَوِيَّ الْقَلْبِ حَاضِرَ النَّفْسِ.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: اعْلَمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ وَأَنْ نُشِيرَ إِشَارَةً حَقِيقِيَّةً إِلَى تَرْتِيبِ أَعْمَالِ الْحَجِّ حَتَّى يَسْهُلَ الْوُقُوفُ عَلَى مَعْنَى الْآيَةِ، فَمَنْ دَخَلَ مَكَّةَ مُحْرِمًا فِي ذِي الْحِجَّةِ أَوْ قَبْلَهُ، فَإِنْ كَانَ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا طَافَ طَوَافَ الْقُدُومِ، وَأَقَامَ عَلَى إِحْرَامِهِ حَتَّى يَخْرُجَ إِلَى عَرَفَاتٍ، وَإِنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا طَافَ وَسَعَى وَحَلَقَ وَتَحَلَّلَ مِنْ عُمْرَتِهِ وَأَقَامَ إِلَى وَقْتِ خُرُوجِهِ إِلَى عَرَفَاتٍ، وَحِينَئِذٍ يُحْرِمُ مِنْ جَوْفِ مَكَّةَ بِالْحَجِّ وَيَخْرُجُ وَكَذَلِكَ مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، وَالسُّنَّةُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَخْطُبَ بمكة يوم السابع من ذي الحجة، بعد ما يُصَلِّي الظُّهْرَ خُطْبَةً وَاحِدَةً يَأْمُرُ النَّاسَ فِيهَا بالذهاب غدا بعد ما يُصَلُّونَ الصُّبْحَ إِلَى مِنًى وَيُعَلِّمُهُمْ/ تِلْكَ الْأَعْمَالَ، ثُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ يَذْهَبُونَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ إِلَى مِنًى بِحَيْثُ يُوَافُونَ