رَدَدْتُهُ، قَالَ تَعَالَى: وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي [فُصِّلَتْ: ٥٠] وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي [الْكَهْفِ: ٣٦] وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ: ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ [الْأَنْعَامِ: ٦٢] وَقَالَ تَعَالَى: رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً [الْمُؤْمِنُونَ: ٩٩- ١٠٠] أَيْ رُدَّنِي، وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ تَرْجِعُ بِفَتْحِ التَّاءِ أَيْ تَصِيرُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ [الشُّورَى: ٥٣] وَقَوْلِهِ: إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ، وإِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ [هود: ٤، المائدة: ٤٨، الغاشية: ٢٥] قَالَ الْقَفَّالُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالْمَعْنَى فِي الْقِرَاءَتَيْنِ مُتَقَارِبٌ، لِأَنَّهَا تَرْجِعُ إِلَيْهِ جَلَّ جَلَالُهُ، وَهُوَ جَلَّ جَلَالُهُ يُرْجِعُهَا إِلَى نَفْسِهِ بِإِفْنَاءِ الدُّنْيَا وَإِقَامَةِ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي قَوْلِهِ:
تُرْجَعُ الْأُمُورُ بِضَمِّ التَّاءِ ثَلَاثُ مَعَانٍ أَحَدُهَا: هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَهُوَ أَنَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ يُرْجِعُهَا كَمَا قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَهُوَ قَاضِيهَا وَالثَّانِي: أَنَّهُ عَلَى مَذْهَبِ الْعَرَبِ فِي قَوْلِهِمْ: فُلَانٌ يُعْجَبُ بِنَفْسِهِ، وَيَقُولُ الرَّجُلُ لِغَيْرِهِ: إِلَى أَيْنَ يَذْهَبُ بِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَذْهَبُ بِهِ وَالثَّالِثُ: أَنَّ ذَوَاتِ الْخُلُقِ وَصِفَاتِهِمْ لَمَّا كَانَتْ شَاهِدَةً عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ مَخْلُوقُونَ مُحْدَثُونَ مُحَاسَبُونَ، وَكَانُوا رَادِّينَ أَمْرَهُمْ إِلَى خَالِقِهِمْ، فَقَوْلُهُ: تُرْجَعُ الْأُمُورُ أَيْ يَرُدُّهَا الْعِبَادُ إِلَيْهِ وَإِلَى حُكْمِهِ بِشَهَادَةِ أَنْفُسِهِمْ، وَهُوَ كَمَا قَالَ: يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ [الجمعة: ١، التغابن: ١] فَإِنَّ هَذَا التَّسْبِيحَ بِحَسَبِ شَهَادَةِ الْحَالِ، لَا بِحَسَبِ النُّطْقِ بِاللِّسَانِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ أَيْضًا قَوْلُهُ: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً [الرَّعْدِ: ١٥] قِيلَ: إِنَّ الْمَعْنَى يَسْجُدُ لَهُ الْمُؤْمِنُونَ طَوْعًا، وَيَسْجُدُ لَهُ الْكُفَّارُ كَرْهًا بِشَهَادَةِ أَنْفُسِهِمْ بِأَنَّهُمْ عَبِيدُ اللَّهِ، فَكَذَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْعِبَادَ يَرُدُّونَ أُمُورَهُمْ إِلَى اللَّهِ، وَيَعْتَرِفُونَ بِرُجُوعِهَا إِلَيْهِ، أَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَبِالْمَقَالِ، وَأَمَّا الكفار فبشهادة الحال.
تم الجزء الخامس، وَيَلِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْجُزْءُ السَّادِسَ، وأوله قَوْلُهُ تَعَالَى:
سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ أعان الله على إكماله
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute