للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

انْطِلَاقِ الْمَرْأَةِ، فَهَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِتَفْسِيرِ لَفْظِ الْآيَةِ.

أَمَّا الْأَحْكَامُ فَكَثِيرَةٌ وَنَذْكُرُ هَاهُنَا بَعْضَ مَا دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَيْهِ فِي مَسَائِلَ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: كُلُّ زَوْجٍ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْوِقَاعُ، وَكَانَ تَصَرُّفُهُ مُعْتَبَرًا فِي الشَّرْعِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ مِنْهُ الْإِيلَاءُ، وَهَذَا الْقَيْدُ مُعْتَبَرٌ طَرْدًا وَعَكْسًا. أَمَّا الطَّرْدُ فَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ صَحَّ إِيلَاؤُهُ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ أَحْكَامٌ الْأَوَّلُ: يَصِحُّ إِيلَاءُ الذِّمِّيِّ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا يَصِحُّ إِيلَاؤُهُ بِاللَّهِ تَعَالَى وَيَصِحُّ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لَنَا قَوْلُهُ تَعَالَى: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَهَذَا الْعُمُومُ يَتَنَاوَلُ الْكَافِرَ وَالْمُسْلِمَ.

الْحُكْمُ الثَّانِي: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مُدَّةُ الْإِيلَاءِ لَا تَخْتَلِفُ بِالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ فَهِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجَانِ حُرَّيْنِ أَوْ رَقِيقَيْنِ، أَوْ أَحَدُهُمَا كَانَ حُرًّا وَالْآخَرُ رَقِيقًا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا تَتَنَصَّفُ بِالرِّقِّ، إِلَّا أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَتَنَصَّفُ بِرِقِّ الْمَرْأَةِ، وَعِنْدَ مَالِكٍ بِرِقِّ الرَّجُلِ، كَمَا قَالَا فِي الطَّلَاقِ لَنَا أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ تَعَالَى: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ، وَالتَّخْصِيصُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، لِأَنَّ تَقْدِيرَ هَذِهِ الْمُدَّةِ إِنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ مَعْنًى يَرْجِعُ إِلَى الْجِبِلَّةِ وَالطَّبْعِ، وَهُوَ قِلَّةُ الصَّبْرِ عَلَى مُفَارَقَةِ الزَّوْجِ، فَيَسْتَوِي فِيهِ الْحُرُّ وَالرَّقِيقُ، كَالْحَيْضِ، وَمُدَّةِ الرَّضَاعِ وَمُدَّةِ الْعُنَّةِ.

الْحُكْمُ الثَّالِثُ: يَصِحُّ الْإِيلَاءُ فِي حَالِ الرِّضَا وَالْغَضَبِ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَصِحُّ إِلَّا فِي حَالِ الْغَضَبِ لَنَا ظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ.

الْحُكْمُ الرَّابِعُ: يَصِحُّ الْإِيلَاءُ مِنَ الْمَرْأَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي صُلْبِ النِّكَاحِ، أَوْ كَانَتْ مُطَلَّقَةً طَلْقَةً رَجْعِيَّةً، بِدَلِيلِ أَنَّ الرَّجْعِيَّةَ يَصْدُقُ عَلَيْهَا أَنَّهَا مِنْ نِسَائِهِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: نِسَائِي طَوَالِقُ، وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهَا مِنْ نِسَائِهِ دَخَلَتْ تَحْتَ الْآيَةِ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ.

أَمَّا عَكْسُ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ. وَهُوَ أَنَّ مَنْ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْوِقَاعُ لَا يَصِحُّ إِيلَاؤُهُ، فَفِيهِ حُكْمَانِ:

الْحُكْمُ الْأَوَّلُ: إِيلَاءُ الْخَصِيِّ صَحِيحٌ، لِأَنَّهُ يُجَامِعُ كَمَا يُجَامِعُ الْفَحْلُ، إِنَّمَا الْمَفْقُودُ فِي حَقِّهِ الْإِنْزَالُ وَذَلِكَ لَا أَثَرَ لَهُ وَلِأَنَّهُ دَاخِلٌ تَحْتَ عُمُومِ الْآيَةِ.

الْحُكْمُ الثَّانِي: الْمَجْبُوبُ إِنْ بَقِيَ مِنْهُ مَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُجَامِعَ بِهِ صَحَّ إِيلَاؤُهُ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ فَفِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا:

أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إِيلَاؤُهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَصِحُّ لِعُمُومِ هَذِهِ الْآيَةِ، لِأَنَّ قَصْدَ الْمُضَارَّةِ بِالْيَمِينِ قَدْ حَصَلَ مِنْهُ.

الْقَيْدُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ زَوْجًا، فَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ: وَاللَّهِ لَا أُجَامِعُكِ ثُمَّ نَكَحَهَا لَمْ يَكُنْ مُؤْلِيًا لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى:

لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ يُفِيدُ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَهُمْ لَا لِغَيْرِهِمْ، كَقَوْلِهِ: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [الْكَافِرُونَ: ٦] أَيْ لَكُمْ لَا لِغَيْرِكُمْ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْمَحْلُوفُ بِهِ وَالْحَلِفُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِاللَّهِ أَوْ بِغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ بِاللَّهِ كَانَ مُولِيًا ثُمَّ إِنْ جَامَعَهَا فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ خَرَجَ عَنِ الْإِيلَاءِ، وَهَلْ تَجِبُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ فِيهِ قَوْلَانِ: الْجَدِيدُ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ تَجِبُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ، وَالْقَدِيمُ أَنَّهُ إِذَا فَاءَ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ أَوْ فِي خِلَالِ الْمُدَّةِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ،