السُّؤَالُ الرَّابِعُ: هَلَّا قِيلَ: يَتَرَبَّصْنَ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ كَمَا قِيلَ: تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ [الْبَقَرَةِ: ٢٢٦] وَمَا الْفَائِدَةُ فِي ذِكْرِ الْأَنْفُسِ.
الْجَوَابُ: فِي ذِكْرِ الْأَنْفُسِ تَهْيِيجٌ لَهُنَّ عَلَى التَّرَبُّصِ وَزِيَادَةُ بَعْثٍ، لِأَنَّ فِيهِ مَا يَسْتَنْكِفْنَ مِنْهُ فَيَحْمِلُهُنَّ عَلَى أَنْ يَتَرَبَّصْنَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ أَنْفُسَ النِّسَاءِ طَوَامِحُ إِلَى الرِّجَالِ فَأَرَادَ أَنْ يَقْمَعْنَ أَنْفُسَهُنَّ وَيَغْلِبْنَهَا على الطموح ويخبرنها عَلَى التَّرَبُّصِ.
السُّؤَالُ الْخَامِسُ: لَفْظُ أَنْفُسٍ جَمْعُ قِلَّةٍ، مَعَ أَنَّهُنَّ نُفُوسٌ كَثِيرَةٌ، وَالْقُرُوءُ جَمْعُ كَثْرَةٍ، فَلِمَ ذَكَرَ جَمْعَ الْكَثْرَةِ مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ هَذِهِ الْقُرُوءُ الثَّلَاثَةُ وَهِيَ قَلِيلَةٌ.
وَالْجَوَابُ: أَنَّهُمْ يَتَّسِعُونَ فِي ذَلِكَ فَيَسْتَعْمِلُونَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْجَمْعَيْنِ مَكَانَ الْآخَرِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ، أَوْ لَعَلَّ الْقُرُوءَ كَانَتْ أَكْثَرَ اسْتِعْمَالًا فِي جَمْعِ قُرْءٍ مِنَ الْأَقْرَاءِ.
السُّؤَالُ السَّادِسُ: لِمَ لَمْ يَقُلْ: ثَلَاثَ قُرُوءٍ، كَمَا يُقَالُ: ثَلَاثَةُ حِيَضٍ.
الْجَوَابُ: لِأَنَّهُ اتَّبَعَ تَذْكِيرَ اللَّفْظِ ولفظ القروء مُذَكَّرٌ فَهَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالسُّؤَالَاتِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَبَقِيَ مِنَ الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ فِي حَقِيقَةِ الْقُرُوءِ، فَنَقُولُ: الْقُرُوءُ جَمْعُ قَرْءٍ وَقُرْءٍ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ اسْمَ الْقُرْءِ يَقَعُ عَلَى الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْأَقْرَاءُ مِنَ الْأَضْدَادِ فِي كَلَامِ/ الْعَرَبِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا كَالشَّفَقِ اسْمٌ لِلْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ جَمِيعًا، وَقَالَ آخَرُونَ إِنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْحَيْضِ، مَجَازٌ فِي الطُّهْرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ عَكَسَ الْأَمْرَ، وَقَالَ قَائِلُونَ: إِنَّهُ مَوْضُوعٌ بِحَيْثِيَّةِ مَعْنًى وَاحِدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ، وَالْقَائِلُونَ بِهَذَا الْقَوْلِ اخْتَلَفُوا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ فَالْأَوَّلُ: أَنَّ الْقُرْءَ هُوَ الِاجْتِمَاعُ، ثُمَّ فِي وَقْتِ الْحَيْضِ يَجْتَمِعُ الدَّمُ فِي الرَّحِمِ، وَفِي وَقْتَ الطُّهْرِ يَجْتَمِعُ الدَّمُ فِي الْبَدَنِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَصْمَعِيِّ وَالْأَخْفَشِ وَالْفَرَّاءِ وَالْكِسَائِيِّ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ: أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الِانْتِقَالِ مِنْ حَالَةٍ إِلَى حَالَةٍ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ: أَنَّ الْقُرْءَ هُوَ الْوَقْتُ، يُقَالُ: أَقْرَأَتِ النُّجُومُ إِذَا طَلَعَتْ، وَأَقْرَأَتْ إِذَا أَفَلَتْ، وَيُقَالُ: هَذَا قَارِئُ الرِّيَاحِ لِوَقْتِ هُبُوبِهَا، وَأَنْشَدُوا لِلْهُذَلِيِّ:
إِذَا هَبَّتْ لِقَارِئِهَا الرِّيَاحُ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْقُرْءَ هُوَ الْوَقْتُ دَخَلَ فِيهِ الْحَيْضُ وَالطُّهْرُ، لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقْتًا مُعَيَّنًا، وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ الْمُطَلَّقَةَ أَنْ تَعْتَدَّ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ، وَالظَّاهِرُ يَقْتَضِي أَنَّهَا إِذَا اعْتَدَّتْ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ تُسَمَّى ثَلَاثَةَ أَقْرَاءٍ إِنْ تَخْرُجَ عَنْ عُهْدَةِ التَّكْلِيفِ، إِلَّا أَنَّ الْعُلَمَاءَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفِي ذَلِكَ، بَلْ عَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ مِنْ أَحَدِ الْجِنْسَيْنِ، وَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهَا الْأَطْهَارُ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَزَيْدٍ، وَعَائِشَةَ، وَالْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ، وَمَالِكٍ، وَرَبِيعَةَ، وَأَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي رِوَايَةٍ،
وَقَالَ عَلِيٌّ وَعُمَرُ وَابْنُ مَسْعُودٍ هِيَ الْحِيَضُ،
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَابْنِ شُبْرُمَةَ، وَإِسْحَاقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ أَنَّ مُدَّةَ الْعِدَّةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَقْصَرُ، وَعِنْدَهُمْ أَطْوَلُ، حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا فِي حَالِ الطُّهْرِ يُحْسَبُ بَقِيَّةُ الطُّهْرِ قُرْءًا وَإِنْ حَاضَتْ عَقِيبَهُ فِي الْحَالِ، فَإِذَا شَرَعَتْ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا لَمْ تَطْهُرْ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ إِنْ كَانَ الطَّلَاقُ فِي حَالِ الطُّهْرِ، وَمِنَ الْحَيْضَةِ الرَّابِعَةِ إِنْ كَانَ فِي حَالِ الْحَيْضِ لَا يُحْكَمُ