للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِانْقِضَاءِ عَدَّتِهَا، ثُمَّ قَالَ إِذَا طَهُرَتْ لِأَكْثَرِ الْحَيْضِ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا قَبْلَ الْغُسْلِ وَإِنْ طَهُرَتْ لِأَقَلِّ الْحَيْضِ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ أَوْ تَتَيَمَّمَ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ، أَوْ يَمْضِيَ عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ، حُجَّةُ الشَّافِعِيِّ مِنْ وُجُوهٍ:

الْحُجَّةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطَّلَاقِ: ١] وَمَعْنَاهُ فِي وَقْتِ عِدَّتِهِنَّ، لَكِنَّ الطَّلَاقَ فِي زَمَانِ الْحَيْضِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ زَمَانُ الْعِدَّةِ غَيْرَ زَمَانِ الْحَيْضِ، أَجَابَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» عَنْهُ فَقَالَ بِمَعْنَى مُسْتَقْبِلَاتٍ لِعِدَّتِهِنَّ، كَمَا يَقُولُ لِثَلَاثٍ بَقِينَ مِنَ الشَّهْرِ، يُرِيدُ مُسْتَقْبِلًا لِثَلَاثٍ، وَأَقُولُ هَذَا الْكَلَامُ يُقَوِّي اسْتِدْلَالَ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ لِثَلَاثٍ بَقِينَ مِنَ الشَّهْرِ مَعْنَاهُ لِزَمَانٍ يَقَعُ الشُّرُوعُ فِي الثَّلَاثِ عَقِيبَهُ، فَكَذَا هَاهُنَا قَوْلُهُ: فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ مَعْنَاهُ طَلِّقُوهُنَّ بِحَيْثُ يَحْصُلُ الشُّرُوعُ فِي الْعِدَّةِ عَقِيبَهُ، وَلَمَّا كَانَ الْأَمْرُ حَاصِلًا بِالتَّطْلِيقِ فِي جَمِيعِ زَمَانِ الطُّهْرِ وَجَبَ أَنْ/ يَكُونَ الطُّهْرُ الْحَاصِلُ عَقِيبَ زَمَانِ التَّطْلِيقِ مِنَ الْعِدَّةِ، وَذَلِكَ هُوَ الْمَطْلُوبُ.

الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: هل تدرون الْأَقْرَاءُ؟ الْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارُ، ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَالنِّسَاءُ بِهَذَا أَعْلَمُ، لِأَنَّ هَذَا إِنَّمَا يُبْتَلَى بِهِ النِّسَاءُ.

الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ: الْقُرْءُ عِبَارَةٌ عَنِ الْجَمْعِ، يُقَالُ: مَا قَرَأَتِ النَّاقَةُ نَسْلًا قَطُّ، أَيْ مَا جَمَعَتْ فِي رَحِمِهَا وَلَدًا قَطُّ وَمِنْهُ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ كُلْثُومٍ:

هِجَانُ اللَّوْنِ لَمْ تَقْرَأْ جَنِينَا

وَقَالَ الْأَخْفَشُ يُقَالُ: مَا قَرَأَتْ حَيْضَةً، أَيْ مَا ضَمَّتْ رَحِمَهَا عَلَى حَيْضَةٍ، وَسُمِّيَ الْحَوْضُ مَقْرَأَةً لِأَنَّهُ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَاءُ، وَأَقْرَأَتِ النُّجُومُ إِذَا اجْتَمَعَتْ لِلْغُرُوبِ، وَسُمِّيَ الْقُرْآنُ قُرْآنًا لِاجْتِمَاعِ حُرُوفِهِ وَكَلِمَاتِهِ وَلِاجْتِمَاعِ الْعُلُومِ الْكَثِيرَةِ فِيهِ، وَقَرَأَ الْقَارِئُ أَيْ جَمَعَ الْحُرُوفَ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ.

إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: وَقْتُ اجْتِمَاعِ الدَّمِ إِنَّمَا هُوَ زَمَانُ الطُّهْرِ لِأَنَّ الدَّمَ يَجْتَمِعُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فِي الْبَدَنِ.

فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: بَلْ زَمَانُ الْحَيْضِ أَوْلَى بِهَذَا الِاسْمِ، لِأَنَّ الدَّمَ يَجْتَمِعُ فِي هَذَا الزَّمَانِ فِي الرَّحِمِ.

قُلْنَا: الدِّمَاءُ لَا تَجْتَمِعُ فِي الرَّحِمِ الْبَتَّةَ بَلْ تَنْفَصِلُ قَطْرَةً قَطْرَةً أَمَّا وَقْتُ الطُّهْرِ فَالْكُلُّ مُجْتَمِعٌ فِي الْبَدَنِ فَكَانَ مَعْنَى الِاجْتِمَاعِ فِي وَقْتِ الطُّهْرِ أَتَمَّ، وَتَمَامُ التَّقْرِيرِ فِيهِ أَنَّ اسْمَ الْقُرْءِ لَمَّا دَلَّ عَلَى الِاجْتِمَاعِ فَأَكْثَرُ أَحْوَالِ الرَّحِمِ اجْتِمَاعًا وَاشْتِمَالًا فِي الدَّمِ آخِرُ الطُّهْرِ، إِذْ لَوْ لَمْ تَمْتَلِئْ بِذَلِكَ الْفَائِضِ لَمَا سَالَتْ إِلَى الخارج، فمن أولى الطُّهْرِ يَأْخُذُ فِي الِاجْتِمَاعِ وَالِازْدِيَادِ إِلَى آخِرِهِ، وَالْآخَرُ هُوَ حَالُ كَمَالِ الِاجْتِمَاعِ فَكَانَ آخِرُ الطُّهْرِ هُوَ الْقُرْءَ فِي الْحَقِيقَةِ وَهَذَا كَلَامٌ بين.

الحجة الرابعة: أَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا يَكُونَ لِأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْعُقَلَاءِ الْمُكَلَّفِينَ حَقُّ الْحَبْسِ وَالْمَنْعِ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ تَرَكْنَا الْعَمَلَ بِهِ عِنْدَ قِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَقَلُّ مَا يُسَمَّى بِالْأَقْرَاءِ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ الْأَطْهَارُ، لِأَنَّ الِاعْتِدَادَ بِالْأَطْهَارِ أَقَلُّ زَمَانًا مِنْ الِاعْتِدَادِ بِالْحِيَضِ، فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ أَثْبَتْنَا الْأَقَلَّ ضَرُورَةَ الْعَمَلِ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَطَرَحْنَا الْأَكْثَرَ وَفَاءً بِالدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا يَكُونَ لِأَحَدٍ عَلَى غَيْرِهِ قُدْرَةُ الحبس والمنع.

الحجة الخامسة: أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ يَقْتَضِي أَنَّهَا إِذَا اعْتَدَّتْ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ تُسَمَّى أَقْرَاءً أَنْ تَخْرُجَ عَنِ الْعُهْدَةِ،