للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حُجَّةُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ:

الْحُجَّةُ الْأُولَى: أَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ قَوْلِهِ: لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ هُوَ التَّمَامُ بِحَسَبِ حَاجَةِ الصَّبِيِّ إِلَى ذَلِكَ، إِذْ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الصَّبِيَّ كَمَا يَسْتَغْنِي عَنِ اللَّبَنِ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلَيْنِ، فَقَدْ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ لِضَعْفٍ فِي تَرْكِيبِهِ لِأَنَّ الْأَطْفَالَ يَتَفَاوَتُونَ فِي ذَلِكَ، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالتَّمَامِ هَذَا الْمَعْنَى، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ هُوَ الْحُكْمَ الْمَخْصُوصَ الْمُتَعَلِّقَ بِالرَّضَاعِ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ تَصِيرُ الْآيَةُ دَالَّةً عَلَى أَنَّ حُكْمَ الرَّضَاعِ لَا يَثْبُتُ إِلَّا عِنْدَ حُصُولِ الْإِرْضَاعِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ.

الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ:

رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا رَضَاعَ بَعْدَ فِصَالٍ»

وَقَالَ تَعَالَى: وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ [لُقْمَانَ: ١٤] .

الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ: مَا

رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ إِلَّا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ» .

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: فِي الْمَقْصُودِ من هذا التحديد ما روى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لِلَّتِي تَضَعُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ إِنَّهَا تُرْضِعُ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ، فَإِنْ وَضَعَتْ لِسَبْعَةِ أَشْهُرٍ أَرْضَعَتْ ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ شَهْرًا، وَقَالَ آخَرُونَ: الْحَوْلَانِ هَذَا الْحَدُّ فِي رَضَاعِ كُلِّ مَوْلُودٍ، وَحُجَّةُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً [الْأَحْقَافِ:

١٥] دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ زَمَانَ هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ هُوَ هَذَا الْقَدْرُ مِنَ/ الزَّمَانِ، فَكَمَا ازْدَادَ فِي مُدَّةِ إِحْدَى الْحَالَتَيْنِ انْتَقَصَ مِنْ مُدَّةِ الْحَالَةِ الْأُخْرَى.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ:

رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: تَزَوَّجْتُ جَارِيَةً بِكْرًا وَمَا رَأَيْتُ بِهَا رِيبَةً، ثُمَّ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ اللَّهُ: وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً وَقَالَ تَعَالَى:

وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ فَالْحَمْلُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ الْوَلَدُ وَلَدُكَ،

وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ جِيءَ بِامْرَأَةٍ وَضَعَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَشَاوَرَ فِي رَجْمِهَا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنْ خَاصَمْتُكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ خَصَمْتُكُمْ، ثُمَّ ذَكَرَ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ وَاسْتَخْرَجَ مِنْهُمَا أَنَّ أَقَلَّ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ.

أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنْ يُكْمِلَ الرَّضَاعَةَ وَقُرِئَ الرِّضَاعَةَ بِكَسْرِ الرَّاءِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي كَيْفِيَّةِ اتِّصَالِ هَذِهِ الْآيَةِ بِمَا قَبْلَهَا وَجْهَانِ الْأَوَّلُ: أَنَّ تَقْدِيرَ الْآيَةِ: هَذَا الْحُكْمُ لِمَنْ أَرَادَ إِتْمَامَ الرَّضَاعَةِ، وَعَنْ قَتَادَةَ أَنْزَلَ اللَّهُ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ، ثُمَّ أَنْزَلَ الْيُسْرَ وَالتَّخْفِيفَ فَقَالَ: لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى جَوَّزَ النُّقْصَانَ بِذِكْرِ هَذِهِ الْآيَةِ وَالثَّانِي: أَنَّ اللَّامَ مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ: يُرْضِعْنَ كَمَا تَقُولُ: أَرْضَعَتْ فُلَانَةُ لِفُلَانٍ وَلَدَهُ، أَيْ يُرْضِعْنَ حَوْلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الْإِرْضَاعَ مِنَ الْآبَاءِ، لِأَنَّ الْأَبَ يَجِبُ عَلَيْهِ إِرْضَاعُ الْوَلَدِ دُونَ الْأُمِّ لِمَا بَيَّنَّاهُ.

أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَفِيهِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْمَوْلُودِ لَهُ هُوَ الْوَالِدُ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْهُ بِهَذَا الِاسْمِ لِوُجُوهٍ الْأَوَّلُ: قَالَ صاحب