سَاعَةَ الْإِجَابَةِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَأَخْفَى اسْمَهُ الْأَعْظَمَ فِي جَمِيعِ الْأَسْمَاءِ، وَأَخْفَى وَقْتَ الْمَوْتِ فِي الْأَوْقَاتِ لِيَكُونَ الْمُكَلَّفُ خَائِفًا مِنَ الْمَوْتِ فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ، فَيَكُونُ آتِيًا بِالتَّوْبَةِ فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ، وَهَذَا الْقَوْلُ اخْتَارَهُ جَمْعٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: إِنَّ رَجُلًا سَأَلَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى فَقَالَ: حَافِظْ عَلَى الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا تَصِبْهَا، وَعَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خَيْثَمٍ أَنَّهُ سَأَلَهُ وَاحِدٌ عَنْهَا، فَقَالَ: يَا ابْنَ عَمِّ الْوُسْطَى وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ فَحَافِظْ عَلَى الْكُلِّ تَكُنْ مُحَافِظًا عَلَى الْوُسْطَى ثُمَّ قَالَ الرَّبِيعُ: لَوْ عَلِمْتَهَا بِعَيْنِهَا لَكُنْتَ مُحَافِظًا لَهَا وَمُضَيِّعًا لِسَائِرِهِنَّ، قَالَ السَّائِلُ:
لَا قَالَ الرَّبِيعُ: فَإِنْ حَافَظْتَ عَلَيْهِنَّ فَقَدْ حَافَظْتَ عَلَى الْوُسْطَى.
الْقَوْلُ الثَّانِي: هِيَ مَجْمُوعُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذِهِ الْخَمْسَةَ هِيَ الْوُسْطَى مِنَ الطَّاعَاتِ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْإِيمَانَ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ دَرَجَةً، أَعْلَاهَا شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالصَّلَوَاتُ الْمَكْتُوبَاتُ دُونَ الْإِيمَانِ وَفَوْقَ إِمَاطَةِ الْأَذَى فَهِيَ وَاسِطَةٌ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ.
الْقَوْلُ الثَّالِثُ:
أَنَّهَا صَلَاةُ الصُّبْحِ، وَهَذَا الْقَوْلُ مِنَ الصَّحَابَةِ قَوْلُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ،
وَعُمْرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، وَمِنَ التَّابِعِينَ قَوْلُ طَاوُسٍ، وَعَطَاءٍ، وَعِكْرِمَةَ وَمُجَاهِدٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ وُجُوهٌ الْأَوَّلُ: أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ تُصَلَّى فِي الْغَلَسِ فَأَوَّلُهَا يَقَعُ فِي الظَّلَامِ فَأَشْبَهَتْ صَلَاةَ اللَّيْلِ، وَآخِرُهَا يَقَعُ فِي الضَّوْءِ فَأَشْبَهَتْ صَلَاةَ النَّهَارِ الثَّانِي: أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ تُؤَدَّى بَعْدَ طُلُوعِ الصُّبْحِ، وَقَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَهَذَا الْقَدْرُ مِنَ الزَّمَانِ لَا تَكُونُ الظُّلْمَةُ فِيهِ تَامَّةً، وَلَا يَكُونُ الضَّوْءُ أَيْضًا تَامًّا، فَكَأَنَّهُ لَيْسَ بِلَيْلٍ وَلَا نَهَارٍ فَهُوَ مُتَوَسِّطٌ بَيْنَهُمَا الثَّالِثُ: أَنَّهُ حَصَلَ فِي النَّهَارِ التَّامِّ صَلَاتَانِ: الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ، وَفِي اللَّيْلِ صَلَاتَانِ: الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ، وَصَلَاةُ الصُّبْحِ كَالْمُتَوَسِّطِ بَيْنَ صَلَاتَيِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَهَذِهِ الْمَعَانِي حَاصِلَةٌ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ قُلْنَا: إِنَّا نُرَجِّحُ صَلَاةَ الصُّبْحِ عَلَى الْمَغْرِبِ بِكَثْرَةِ فَضَائِلِ صَلَاةِ الصُّبْحِ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الرَّابِعُ: أَنَّ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ يُجْمَعَانِ بِعَرَفَةَ بِالِاتِّفَاقِ، وَفِي السَّفَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَكَذَا الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ، وَأَمَّا صَلَاةُ الْفَجْرِ فَهِيَ مُنْفَرِدَةٌ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَكَانَ وَقْتُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَقْتًا وَاحِدًا وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَقْتًا وَاحِدًا، وَوَقْتُ الْفَجْرِ مُتَوَسِّطًا بَيْنَهُمَا، قَالَ الْقَفَّالُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَتَحْقِيقُ هَذَا الِاحْتِجَاجِ يَرْجِعُ إِلَى أَنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ: فُلَانٌ وَسَطٌ، إِذَا لَمْ يَمِلْ إِلَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ، فَكَانَ مُنْفَرِدًا بِنَفْسِهِ عَنْهُمَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ الْخَامِسُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً [الْإِسْرَاءِ: ٧٨] وَقَدْ ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ صَلَاةُ الْفَجْرِ، وَإِنَّمَا جَعَلَهَا مَشْهُودًا لِأَنَّهَا تُؤَدَّى بِحَضْرَةِ مَلَائِكَةِ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةِ النَّهَارِ.
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْآيَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَفْرَدَ صَلَاةَ الْفَجْرِ بِالذِّكْرِ، فَدَلَّ هَذَا عَلَى مَزِيدِ فَضْلِهَا، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى خَصَّ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى بِمَزِيدِ التَّأْكِيدِ، فَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ صَلَاةَ الْفَجْرِ لَمَّا ثَبَتَ أَنَّهَا أَفْضَلُ بِتِلْكَ الْآيَةِ، وَجَبَ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمُرَادَ بِالتَّأْكِيدِ الْمَذْكُورِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَالثَّانِي: أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَعَاقَبُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فَلَا تَجْتَمِعُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ إِلَّا صَلَاةَ الْفَجْرِ، فَثَبَتَ أَنَّ صَلَاةَ الْفَجْرِ قَدْ أَخَذَتْ بِطَرَفَيِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، فَكَانَتْ كَالشَّيْءِ الْمُتَوَسِّطِ السَّادِسُ: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى: وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ قَرَنَ هَذِهِ الصَّلَاةَ بِذِكْرِ الْقُنُوتِ، وَلَيْسَ فِي الشَّرْعِ صَلَاةٌ ثَبَتَ بِالْأَخْبَارِ الصِّحَاحِ الْقُنُوتُ فِيهَا إِلَّا الصُّبْحُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّلَاةِ الْوُسْطَى هِيَ صَلَاةُ الصُّبْحِ السَّابِعُ: لَا شَكَّ أَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا أَفْرَدَهَا بِالذِّكْرِ لِأَجْلِ التَّأْكِيدِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ صَلَاةَ الصُّبْحِ أَحْوَجُ/ الصَّلَوَاتِ إِلَى التَّأْكِيدِ، إِذْ ليس في
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute