للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصَّلَاةِ أَشَقُّ مِنْهَا، لِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى النَّاسِ فِي أَلَذِّ أَوْقَاتِ النَّوْمِ، حَتَّى إِنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يُسَمُّونَ نَوْمَ الْفَجْرِ الْعُسَيْلَةَ لِلَذَّتِهَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ تَرْكَ النَّوْمِ اللَّذِيذِ الطَّيِّبِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَالْعُدُولَ إِلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الْبَارِدِ، وَالْخُرُوجَ إِلَى الْمَسْجِدِ وَالتَّأَهُّبَ لِلصَّلَاةِ شَاقٌّ صَعْبٌ عَلَى النَّفْسِ، فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمُرَادَ بِالصَّلَاةِ الْوُسْطَى إِذْ هِيَ أَشَدُّ الصَّلَوَاتِ حَاجَةً إِلَى التَّأْكِيدِ الثَّامِنُ: أَنَّ صَلَاةَ الصُّبْحِ أَفْضَلُ الصَّلَوَاتِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةَ الصُّبْحِ، إِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّهَا أَفْضَلُ الصَّلَوَاتِ لِوُجُوهٍ أَحَدُهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ [آلِ عِمْرَانَ: ١٧] فَجَعَلَ خَتْمَ طَاعَاتِهِمُ الشَّرِيفَةِ وَعِبَادَاتِهِمُ الْكَامِلَةِ بِذِكْرِ كَوْنِهِمْ مُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ، ثُمَّ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَعْظَمُ أَنْوَاعِ الِاسْتِغْفَارِ هُوَ أَدَاءَ الْفَرْضِ،

لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حَاكِيًا عَنْ رَبِّهِ تَعَالَى «لَنْ يَتَقَرَّبَ إِلَيَّ الْمُتَقَرِّبُونَ بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِمْ»

وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ أَفْضَلَ الطَّاعَاتِ بَعْدَ الْإِيمَانِ هُوَ صَلَاةُ الصُّبْحِ وَثَانِيهَا: مَا

رُوِيَ فِيهَا أَنَّ التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى مِنْهَا مَعَ الْجَمَاعَةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا

وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ ثَبَتَ بِالْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ صَلَاةَ الصُّبْحِ مَخْصُوصَةٌ بِالْأَذَانِ مَرَّتَيْنِ:

مَرَّةً قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَمَرَّةً أُخْرَى بَعْدَهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْمَرَّةِ الْأُولَى إِيقَاظُ النَّاسِ حَتَّى يَقُومُوا وَيَتَشَمَّرُوا لِلْوُضُوءِ وَرَابِعُهَا: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهَا بِأَسْمَاءٍ، فَقَالَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ [الْإِسْرَاءِ:

٧٨] وَقَالَ فِي النُّورِ: مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ [النُّورِ: ٥٨] وَقَالَ فِي الرُّومِ: وَحِينَ تُصْبِحُونَ [الرُّومِ: ١٧] وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: وَإِدْبارَ النُّجُومِ [الطُّورِ: ٤٩] صَلَاةُ الْفَجْرِ وَخَامِسُهَا: أَنَّهُ تَعَالَى أَقْسَمَ بِهِ فَقَالَ: وَالْفَجْرِ وَلَيالٍ عَشْرٍ [الْفَجْرِ: ١، ٢] وَلَا يُعَارَضُ هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ [الْعَصْرِ: ١، ٢] فَإِنَّا إِذَا سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْقَسَمُ بِصَلَاةِ الْعَصْرِ لَكِنْ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ تأكيد، وهو قوله: أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ [هُودٍ: ١١٤] وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هَذَا التَّأْكِيدَ لَمْ يُوجَدْ فِي الْعَصْرِ وَسَادِسُهَا: أَنَّ التَّثْوِيبَ فِي أَذَانِ الصُّبْحِ مُعْتَبَرٌ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْحَيْعَلَتَيْنِ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ، وَمِثْلُ هَذَا التَّأْكِيدِ غَيْرُ حَاصِلٍ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَسَابِعُهَا: أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا قَامَ مِنْ مَنَامِهِ فَكَأَنَّهُ كَانَ مَعْدُومًا، ثُمَّ صَارَ مَوْجُودًا، أَوْ كَانَ مَيِّتًا، ثُمَّ صَارَ حَيًّا، بَلْ كَأَنَّ الْخَلْقَ كَانُوا فِي اللَّيْلِ كُلُّهُمْ أَمْوَاتًا، فَصَارُوا أَحْيَاءً، فَإِذَا قَامُوا مِنْ مَنَامِهِمْ وَشَاهَدُوا هَذَا الْأَمْرَ الْعَظِيمَ مِنْ كَمَالِ قُدْرَةِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ حَيْثُ أَزَالَ عَنْهُمْ ظُلْمَةَ اللَّيْلِ، وَظُلْمَةَ النَّوْمِ وَالْغَفْلَةِ، وَظُلْمَةَ العجز والخيرة، وَأَبْدَلَ الْكُلَّ بِالْإِحْسَانِ، فَمَلَأَ الْعَالَمَ مِنَ النُّورِ، وَالْأَبْدَانَ مِنْ قُوَّةِ الْحَيَاةِ وَالْعَقْلِ وَالْفَهْمِ وَالْمَعْرِفَةِ، فَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْوَقْتَ أَلْيَقُ الْأَوْقَاتِ بِأَنْ يَشْتَغِلَ الْعَبْدُ بِأَدَاءِ الْعُبُودِيَّةِ، وَإِظْهَارِ الْخُضُوعِ وَالذِّلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ، فَثَبَتَ بِمَجْمُوعِ هَذِهِ الْبَيَانَاتِ أَنَّ صَلَاةَ الصُّبْحِ أَفْضَلُ الصَّلَوَاتِ، فَكَانَ حَمْلُ الْوُسْطَى عَلَيْهَا أَوْلَى التَّاسِعُ: مَا

رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى، فَقَالَ: كُنَّا نَرَى أَنَّهَا الْفَجْرُ،

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ صَلَّى صَلَاةَ الصُّبْحِ ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ/ هِيَ الصَّلَاةُ الْوُسْطَى الْعَاشِرُ: أَنَّ سُنَنَ الصُّبْحِ آكَدُ مِنْ سَائِرِ السُّنَنِ فَفَرْضُهَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى مِنْ سَائِرِ الْفُرُوضِ فَصَرْفُ التَّأْكِيدِ إِلَيْهَا أَوْلَى، فَهَذَا جُمْلَةُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى هِيَ صَلَاةُ الصُّبْحِ.

الْقَوْلُ الرَّابِعُ: قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّهَا صَلَاةُ الظُّهْرِ، وَيُرْوَى هَذَا الْقَوْلُ عَنْ عُمَرَ وَزَيْدٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ، وَاحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِوُجُوهٍ الْأَوَّلُ: أَنَّ الظُّهْرَ كَانَ شَاقًّا عَلَيْهِمْ لِوُقُوعِهِ فِي وَقْتِ الْقَيْلُولَةِ وَشِدَّةِ الْحَرِّ فَصَرْفُ الْمُبَالَغَةِ إِلَيْهِ أَوْلَى،

وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ