للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يُصَلِّي بِالْهَاجِرَةِ، وَكَانَتْ أَثْقَلَ الصَّلَوَاتِ عَلَى أَصْحَابِهِ، وَرُبَّمَا لَمْ يَكُنْ وَرَاءَهُ إِلَّا الصَّفُّ وَالصَّفَّانِ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أُحَرِّقَ عَلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ بُيُوتَهُمْ» فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ

وَالثَّانِي: صَلَاةُ الظُّهْرِ تَقَعُ وَسَطَ النَّهَارِ وَلَيْسَ فِي الْمَكْتُوبَاتِ صَلَاةٌ تَقَعُ فِي وَسَطِ اللَّيْلِ أَوِ النَّهَارِ غَيْرُهَا وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا بَيْنَ صَلَاتَيْنِ نَهَارِيَّتَيْنِ: الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ الرَّابِعُ: أَنَّهَا صَلَاةٌ بَيْنَ الْبَرْدَيْنِ: بَرْدُ الْغَدَاةِ وَبَرْدُ الْعَشِيِّ الْخَامِسُ: قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ:

صَلَّيْتُ مَعَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ، فَلَمَّا فَرَغُوا سَأَلْتُهُمْ عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى، فَقَالُوا الَّتِي صَلَّيْتَهَا السَّادِسُ:

رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تَقْرَأُ «حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ» وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهَا عَطَفَتْ صَلَاةَ الْعَصْرِ عَلَى الصَّلَاةِ الْوُسْطَى، وَالْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْمَعْطُوفِ، وَالَّتِي قَبْلَ الْعَصْرِ هِيَ الظَّهْرُ السَّابِعُ: رُوِيَ أَنَّ قَوْمًا كَانُوا عِنْدَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، فَأَرْسَلُوا إِلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَسَأَلُوهُ عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى، فَقَالَ: هِيَ صَلَاةُ الظُّهْرِ كَانَتْ تُقَامُ فِي الْهَاجِرَةِ الثَّامِنُ:

رُوِيَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ أَوَّلَ إِمَامَةِ جِبْرِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ،

فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّهَا أَشْرَفُ الصَّلَوَاتِ، فَكَانَ صَرْفُ التَّأْكِيدِ إِلَيْهَا أَوْلَى التَّاسِعُ: أَنَّ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ هِيَ أَشْرَفُ الصَّلَوَاتِ، وَهِيَ صَلَاةُ الظُّهْرِ، فَصَرْفُ الْمُبَالَغَةِ إِلَيْهَا أَوْلَى.

الْقَوْلُ الْخَامِسُ: قَوْلُ مَنْ قَالَ:

إِنَّهَا صَلَاةُ الْعَصْرِ، وَهُوَ مِنَ الصَّحَابَةِ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلَيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ

وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنَ الْفُقَهَاءِ: النَّخَعِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَاحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِوُجُوهٍ الْأَوَّلُ: مَا

رُوِيَ عَنْ عَلَيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ: «شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى مَلَأَ اللَّهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا» وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ

وَسَائِرُ الْأَئِمَّةِ، وَهُوَ عَظِيمُ الْوَقْعِ فِي الْمَسْأَلَةِ،

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: «شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ»

وَمِنَ الْفُقَهَاءِ مَنْ أَجَابَ عَنْهُ فَقَالَ: الْعَصْرُ وَسَطٌ، وَلَكِنْ ليس هي المذكورة في القرآن، فههنا صَلَاتَانِ وَسَطِيَّانِ الصُّبْحُ وَالْعَصْرُ، وَأَحَدُهُمَا ثَبَتَ بِالْقُرْآنِ وَالْآخَرُ بِالسُّنَّةِ، كَمَا أَنَّ الْحَرَمَ حَرَمَانِ: حَرَمُ مَكَّةَ بِالْقُرْآنِ، وَحَرَمُ الْمَدِينَةِ بِالسُّنَّةِ، وَهَذَا الْجَوَابُ مُتَكَلَّفٌ/ جِدًّا الثَّانِي: قَالُوا رُوِيَ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنَ التَّأْكِيدِ مَا لَمْ يُرْوَ فِي غَيْرِهَا

قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ فَاتَهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَكَأَنَّمَا وَتَرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ»

وَأَيْضًا أَقْسَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا فَقَالَ: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ [الْعَصْرِ: ١، ٢] فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا أَحَبُّ السَّاعَاتِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى الثَّالِثُ: أَنَّ الْعَصْرَ بِالتَّأْكِيدِ أَوْلَى مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى سَائِرِ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ أَخَفُّ وَأَسْهَلُ مِنَ الْمُحَافَظَةِ عَلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ، وَالسَّبَبُ فِيهِ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا:

أَنَّ وَقْتَ صَلَاةِ الْعَصْرِ أَخْفَى الْأَوْقَاتِ، لِأَنَّ دُخُولَ صَلَاةِ الْفَجْرِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ الْمُسْتَطِيرِ ضوؤه، وَدُخُولَ الظُّهْرِ بِظُهُورِ الزَّوَالِ، وَدُخُولَ الْمَغْرِبِ بِغُرُوبِ الْقُرْصِ وَدُخُولَ الْعِشَاءِ بِغُرُوبِ الشَّفَقِ، أَمَّا صَلَاةُ الْعَصْرِ فَلَا يَظْهَرُ دُخُولُ وَقْتِهَا إِلَّا بِنَظَرٍ دَقِيقٍ وَتَأَمُّلٍ عَظِيمٍ فِي حَالِ الظِّلِّ، فَلَمَّا كَانَتْ مَعْرِفَتُهُ أَشَقَّ لَا جَرَمَ كَانَتِ الْفَضِيلَةُ فِيهَا أَكْثَرَ الثَّانِي: أَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ عِنْدَ الْعَصْرِ يَكُونُونَ مُشْتَغِلِينَ بِالْمُهِمَّاتِ، فَكَانَ الْإِقْبَالُ عَلَى الصَّلَاةِ أَشَقَّ، فَكَانَ صَرْفُ التَّأْكِيدِ إِلَى هَذِهِ الصَّلَاةِ أَوْلَى.

الْحُجَّةُ الرَّابِعَةُ: فِي أَنَّ الْوُسْطَى هِيَ الْعَصْرُ أَشْبَهُ بِالصَّلَاةِ الْوُسْطَى لِوُجُوهٍ أَحَدُهَا: أَنَّهَا مُتَوَسِّطَةٌ بَيْنَ صَلَاةٍ هِيَ شَفْعٌ، وَبَيْنَ صَلَاةٍ هِيَ وَتْرٌ، أَمَّا الشَّفْعُ فَالظُّهْرُ، وَأَمَّا الْوَتْرُ فَالْمَغْرِبُ، إِلَّا أَنَّ الْعِشَاءَ أَيْضًا كَذَلِكَ، لِأَنَّ قَبْلَهَا الْمَغْرِبَ وَهِيَ وَتْرٌ، وَبَعْدَهَا الصُّبْحُ وَهُوَ شَفْعٌ وَثَانِيهَا: الْعَصْرُ مُتَوَسِّطَةٌ بَيْنَ صَلَاةٍ نَهَارِيَّةٍ وَهِيَ الظُّهْرُ، وَلَيْلِيَّةٍ وَهِيَ الْمَغْرِبُ وَثَالِثُهَا: أَنَّ الْعَصْرَ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ بِاللَّيْلِ وَصَلَاتَيْنِ بِالنَّهَارِ.