للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حَمَلْتُ الْأَمْتِعَةَ إِلَى زَيْدٍ إِذَا حَفِظَهَا فِي الطَّرِيقِ، وَإِنْ كَانَ الْحَامِلُ غَيْرَهُ.

وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ إِتْيَانَ التَّابُوتِ مُعْجِزَةً، ثُمَّ فِيهِ احْتِمَالَانِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَجِيءُ التَّابُوتِ مُعْجِزًا، وَذَلِكَ هُوَ الَّذِي قَرَّرْنَاهُ وَالثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونَ التَّابُوتُ مُعْجِزًا، بَلْ يَكُونُ مَا فِيهِ هُوَ الْمُعْجِزَ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُشَاهِدُوا التَّابُوتَ خَالِيًا، ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ النَّبِيَّ يَضَعُهُ بِمَحْضَرٍ مِنَ الْقَوْمِ فِي بَيْتٍ وَيُغْلِقُوا الْبَيْتَ، ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ يَدَّعِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى وَاقِعَتِنَا، فَإِذَا فَتَحُوا بَابَ الْبَيْتِ وَنَظَرُوا فِي التَّابُوتِ رَأَوْا فِيهِ كِتَابًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَلِكَهُمْ هُوَ طَالُوتُ، وَعَلَى أَنَّ اللَّهَ سَيَنْصُرُهُمْ عَلَى أَعْدَائِهِمْ فَهَذَا يَكُونُ مُعْجِزًا قَاطِعًا دَالًّا عَلَى أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَفْظُ الْقُرْآنِ يَحْتَمِلُ هَذَا، لِأَنَّ قَوْلَهُ: يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّهُمْ يَجِدُونَ فِي التَّابُوتِ هَذَا الْمُعْجِزَ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِاسْتِقْرَارِ قَلْبِهِمْ وَاطْمِئْنَانِ أَنْفُسِهِمْ فَهَذَا مُحْتَمَلٌ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : وَزْنُ التَّابُوتِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ فَعْلُوتًا أَوْ فَاعُولًا، وَالثَّانِي مَرْجُوحٌ، لِأَنَّهُ يَقِلُّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ لَفْظٌ يَكُونُ فَاؤُهُ وَلَامُهُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، نَحْوُ: سَلَسٌ وَقَلَقٌ، فَلَا يُقَالُ: تَابُوتٌ مِنْ تَبَتَ قِيَاسًا عَلَى مَا نُقِلَ، وَإِذَا فَسَدَ هَذَا الْقِسْمُ تَعَيَّنَ الْأَوَّلُ، وَهُوَ أَنَّهُ فَعْلُوتٌ مِنَ التَّوْبِ، وَهُوَ الرُّجُوعُ لِأَنَّهُ ظَرْفٌ يُوضَعُ فِيهِ الْأَشْيَاءُ، ويودع فيه فلا يزول يَرْجِعُ إِلَيْهِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ وَصَاحِبُهُ يَرْجِعُ إِلَيْهِ فِيمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ مُودَعَاتِهِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَرَأَ الْكُلُّ: التَّابُوتُ بِالتَّاءِ، وَقَرَأَ أُبَيٌّ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ التَّابُوهُ بِالْهَاءِ وَهِيَ لُغَةُ الْأَنْصَارِ.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: مِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ: إِنَّ طَالُوتَ كَانَ نَبِيًّا، لِأَنَّهُ تَعَالَى أَظْهَرَ الْمُعْجِزَةُ عَلَى يَدِهِ وَكُلُّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ نَبِيًّا، وَلَا يُقَالُ: إِنَّ هَذَا كَانَ مِنْ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ، لِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْكَرَامَةِ وَالْمُعْجِزَةِ أَنَّ الْكَرَامَةَ لَا تَكُونُ عَلَى سَبِيلِ التَّحَدِّي، وَهَذَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ التَّحَدِّي، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ جِنْسِ الْكَرَامَاتِ.

وَالْجَوَابُ: لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُعْجِزَةً لِنَبِيِّ ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَمَعَ كَوْنِهِ مُعْجِزَةً لَهُ فَإِنَّهُ كَانَ آيَةً قَاطِعَةً فِي ثُبُوتِ مُلْكِهِ.

أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَفِيهِ مسائل:

المسألة الأولى: السكينة فعلية مِنَ السُّكُونِ، وَهُوَ ضِدُّ الْحَرَكَةِ وَهِيَ مَصْدَرٌ وَقَعَ مَوْقِعَ الِاسْمِ، نَحْوُ:

الْقَضِيَّةُ وَالْبَقِيَّةُ وَالْعَزِيمَةُ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اخْتَلَفُوا فِي السَّكِينَةِ، وَضَبْطُ الْأَقْوَالِ فِيهَا أَنْ نَقُولَ: الْمُرَادُ بِالسَّكِينَةِ إِمَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ كَانَ شَيْئًا حَاصِلًا فِي التَّابُوتِ أَوْ مَا كَانَ كَذَلِكَ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: هُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الْأَصَمِّ، فَإِنَّهُ قَالَ: آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ أَيْ تَسْكُنُونَ عِنْدَ مَجِيئِهِ وَتُقِرُّونَ لَهُ بِالْمُلْكِ، وَتَزُولُ نَفْرَتُكُمْ عَنْهُ، لِأَنَّهُ مَتَى جَاءَهُمُ التَّابُوتُ مِنَ السَّمَاءِ وَشَاهَدُوا تِلْكَ الْحَالَةَ فَلَا بُدَّ وَأَنْ تَسْكُنَ قُلُوبُهُمْ إِلَيْهِ وَتَزُولَ نَفْرَتُهُمْ بِالْكُلِّيَّةِ.

وَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ السَّكِينَةِ شَيْءٌ كَانَ مَوْضُوعًا فِي التَّابُوتِ، وَعَلَى هَذَا فَفِيهِ أَقْوَالٌ الْأَوَّلُ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ كَانَ فِي التَّابُوتِ بِشَارَاتٌ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُنَزَّلَةِ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ وَمَنْ بَعْدَهُمَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، بِأَنَّ اللَّهَ يَنْصُرُ طَالُوتَ وَجُنُودَهُ، وَيُزِيلُ خَوْفَ الْعَدُوِّ عَنْهُمْ الثَّانِي: وَهُوَ

قَوْلُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: كَانَ لَهَا وَجْهٌ كَوَجْهِ الْإِنْسَانِ، وَكَانَ لَهَا رِيحٌ هَفَّافَةٌ

وَالثَّالِثُ: قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: