للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ وَيُعْجِبُهُمُ الْبُنْيَانُ فَيَقُولُونَ: ألا وضعت هاهنا لَبِنَةً فَيَتِمَّ بِنَاؤُكَ؟ فَقَالَ مُحَمَّدٌ: كُنْتُ أَنَا تِلْكَ اللَّبِنَةَ» .

الْحُجَّةُ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كُلَّمَا نَادَى نَبِيًّا فِي الْقُرْآنِ نَادَاهُ باسمه يا آدَمُ اسْكُنْ [البقرة: ٣٥] ، وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ [الصافات: ١٠٤] ، يا مُوسى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ [طه: ١٠، ١١] وَأَمَّا النَّبِيُّ عَلَيْهِ السلام فإنه ناداه بقوله: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ، يا أَيُّهَا الرَّسُولُ وَذَلِكَ يُفِيدُ الْفَضْلَ.

وَاحْتَجَّ الْمُخَالِفُ بِوُجُوهٍ الْأَوَّلُ: أَنَّ مُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ كَانَتْ أَعْظَمَ مِنْ مُعْجِزَاتِهِ، فَإِنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ مَسْجُودًا لِلْمَلَائِكَةِ، وَمَا كَانَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَذَلِكَ، وَأَنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أُلْقِيَ فِي النِّيرَانِ الْعَظِيمَةِ فَانْقَلَبَتْ رَوْحًا وَرَيْحَانًا عَلَيْهِ، وَأَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أُوتِيَ تِلْكَ الْمُعْجِزَاتِ الْعَظِيمَةَ، وَمُحَمَّدٌ مَا كَانَ لَهُ مِثْلُهَا، وَدَاوُدُ لَانَ لَهُ الْحَدِيدُ فِي يَدِهِ، وَسُلَيْمَانُ كَانَ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ وَالطَّيْرُ وَالْوَحْشُ وَالرِّيَاحُ مُسَخَّرِينَ لَهُ، وَمَا كَانَ ذَلِكَ حَاصِلًا لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعِيسَى أَنْطَقَهُ اللَّهُ فِي الطُّفُولِيَّةِ وَأَقْدَرَهُ عَلَى إِحْيَاءِ الْمَوْتَى وَإِبْرَاءِ الْأَكْمَهِ وَالْأَبْرَصِ وَمَا كَانَ ذَلِكَ حَاصِلًا لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ تَعَالَى سَمَّى إِبْرَاهِيمَ فِي كِتَابِهِ خَلِيلًا، فَقَالَ: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا [النِّسَاءِ:

١٢٥] وَقَالَ فِي مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً [النِّسَاءِ: ١٦٤] وَقَالَ فِي عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ:

فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا [التَّحْرِيمِ: ١٢] وَشَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَقُلْهُ فِي حَقِّ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ:

قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا تُفَضِّلُونِي عَلَى يُونُسَ بْنَ مَتَّى»

وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُخَيِّرُوا بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ» .

الْحُجَّةُ الرَّابِعَةُ:

رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنَّا فِي الْمَسْجِدِ نَتَذَاكَرُ فَضْلَ الْأَنْبِيَاءِ فَذَكَرْنَا نُوحًا بِطُولِ عِبَادَتِهِ، وَإِبْرَاهِيمَ بِخُلَّتِهِ، وَمُوسَى بِتَكْلِيمِ اللَّهِ تَعَالَى إِيَّاهُ، وَعِيسَى بِرَفْعِهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَقُلْنَا رَسُولُ اللَّهِ أَفْضَلُ مِنْهُمْ، بُعِثَ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَغُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، وَهُوَ خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ: فِيمَ أَنْتُمْ؟

فَذَكَرْنَا لَهُ فَقَالَ: «لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَكُونَ خَيْرًا مِنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا» وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ سَيِّئَةً قَطُّ وَلَمْ يَهُمَّ بِهَا.

وَالْجَوَابُ: أَنَّ كَوْنَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَسْجُودًا لِلْمَلَائِكَةِ لَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ مِنْ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، بِدَلِيلِ

قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «آدَمُ وَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ»

وَقَالَ: «كُنْتُ نَبِيًّا وَآدَمُ بَيْنَ الْمَاءِ وَالطِّينِ»

وَنُقِلَ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَخَذَ بِرِكَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ، وَهَذَا أَعْظَمُ مِنَ السُّجُودِ، وَأَيْضًا أَنَّهُ تَعَالَى صَلَّى بِنَفْسِهِ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ وَالْمُؤْمِنِينَ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ أَفْضَلُ مِنْ سُجُودِ الْمَلَائِكَةِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ بِسُجُودِ آدَمَ تَأْدِيبًا، وَأَمَرَهُمْ بِالصَّلَاةِ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقْرِيبًا وَالثَّانِي: أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ دَائِمَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَأَمَّا سُجُودُ الْمَلَائِكَةِ لِآدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا كَانَ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً الثَّالِثُ:

أَنَّ السُّجُودَ لِآدَمَ إِنَّمَا تَوَلَّاهُ الْمَلَائِكَةُ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّمَا تَوَلَّاهَا رَبُّ الْعَالَمِينَ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا الْمَلَائِكَةَ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالرَّابِعُ: أَنَّ الْمَلَائِكَةَ أُمِرُوا بِالسُّجُودِ/ لِآدَمَ لِأَجْلِ أَنَّ نُورَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي جَبْهَةِ آدَمَ.

فَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ تَعَالَى خَصَّ آدَمَ بِالْعِلْمِ، فَقَالَ: وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها [الْبَقَرَةِ: ٣١] وَأَمَّا مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ فِي حَقِّهِ: مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ [الشُّورَى: ٥٢] وَقَالَ: وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى [الضُّحَى: ٧] وَأَيْضًا فَمُعَلِّمُ آدَمَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، قَالَ: وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ وَمُعَلِّمُ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ جِبْرِيلُ