للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رَبِّي وَلَا فَخْرَ»

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَلَسَ نَاسٌ مِنَ الصَّحَابَةِ يَتَذَاكَرُونَ فَسَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَهُمْ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَجَبًا إِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَقَالَ آخَرُ: مَاذَا بِأَعْجَبَ مِنْ كَلَامِ مُوسَى كَلَّمَهُ تَكْلِيمًا، وَقَالَ آخَرُ:

فَعِيسَى كَلِمَةُ اللَّهِ وَرُوحُهُ، وَقَالَ آخَرُ: آدَمُ اصْطَفَاهُ اللَّهُ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: قَدْ سَمِعْتُ كَلَامَكُمْ وَحُجَّتَكُمْ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلُ اللَّهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَمُوسَى نَجِيُّ اللَّهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَعِيسَى رُوحُ اللَّهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَآدَمُ اصْطَفَاهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ كَذَلِكَ، أَلَا وَأَنَا حَبِيبُ اللَّهِ وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا حَامِلُ لِوَاءِ الْحَمْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ وَأَنَا أَوَّلُ مُشَفَّعٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يُحَرِّكُ حَلْقَةَ الْجَنَّةِ فَيُفْتَحُ لِي فَأَدْخُلُهَا وَمَعِي فُقَرَاءُ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا أَكْرَمُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ وَلَا فَخْرَ.

الْحُجَّةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ:

رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي «فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ» أَنَّهُ ظَهَرَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنْ بَعِيدٍ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: هَذَا سَيِّدُ الْعَرَبِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَلَسْتَ أَنْتَ سَيِّدُ الْعَرَبِ؟ فَقَالَ أَنَا سَيِّدُ الْعَالَمِينَ وَهُوَ سَيِّدُ الْعَرَبِ،

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ.

الْحُجَّةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ:

رَوَى مُجَاهِدٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي وَلَا فَخْرَ، بُعِثْتُ إِلَى الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ وَكَانَ النَّبِيُّ قَبْلِي يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ أَمَامِي مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ وَلَمْ تَكُنْ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ فَادَّخَرْتُهَا لِأُمَّتِي، فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِمَنْ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا»

وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ اللَّهَ فَضَّلَهُ بِهَذِهِ الْفَضَائِلِ عَلَى غَيْرِهِ.

الْحُجَّةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْمَعْنَى: إِنَّ كُلَّ أَمِيرٍ فَإِنَّهُ تَكُونُ مُؤْنَتُهُ عَلَى قَدْرِ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي تَكُونُ إِمَارَتُهُ عَلَى قَرْيَةٍ تَكُونُ مُؤْنَتُهُ بِقَدْرِ تِلْكَ الْقَرْيَةِ، وَمَنْ مَلَكَ الشَّرْقَ وَالْغَرْبَ احْتَاجَ إِلَى أَمْوَالٍ وَذَخَائِرَ أَكْثَرَ مِنْ أَمْوَالِ أَمِيرِ تِلْكَ الْقَرْيَةِ فَكَذَلِكَ كُلُّ رَسُولٍ بُعِثَ إِلَى قَوْمِهِ فَأُعْطِيَ مِنْ كُنُوزِ التَّوْحِيدِ وَجَوَاهِرِ الْمَعْرِفَةِ عَلَى قَدْرِ مَا حَمَلَ مِنَ الرِّسَالَةِ، فَالْمُرْسَلُ إِلَى قَوْمِهِ فِي طَرَفٍ مَخْصُوصٍ مِنَ الْأَرْضِ إِنَّمَا يُعْطَى مِنْ هَذِهِ الْكُنُوزِ الرُّوحَانِيَّةِ بِقَدْرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَالْمُرْسَلُ إِلَى كُلِّ أَهْلِ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ إِنْسِهِمْ وَجِنِّهِمْ لَا بُدَّ وَأَنْ يُعْطَى مِنَ الْمَعْرِفَةِ بِقَدْرِ مَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُومَ بِسَعْيِهِ بِأُمُورِ أَهْلِ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَتْ نِسْبَةُ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى نُبُوَّةِ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ كَنِسْبَةِ كُلِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِلَى مُلْكِ بَعْضِ الْبِلَادِ الْمَخْصُوصَةِ، وَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ لَا جَرَمَ أُعْطِيَ مِنْ كُنُوزِ الْحِكْمَةِ وَالْعِلْمِ مَا لَمْ يُعْطَ أَحَدٌ قَبْلَهُ، فَلَا جَرَمَ بَلَغَ فِي الْعِلْمِ إِلَى الْحَدِّ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْهُ أَحَدٌ مِنَ الْبَشَرِ قَالَ تَعَالَى فِي حَقِّهِ: فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ مَا أَوْحى

[النَّجْمِ: ١٠] وَفِي الْفَصَاحَةِ إِلَى أَنْ

قَالَ: «أُوتِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ»

وَصَارَ كِتَابُهُ مُهَيْمِنًا عَلَى الْكُتُبِ وَصَارَتْ أُمَّتُهُ خَيْرَ الْأُمَمِ.

الْحُجَّةُ السَّابِعَةَ عشرة:

روى محمد بن الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ «النَّوَادِرِ» : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَمُوسَى نَجِيًّا، وَاتَّخَذَنِي حَبِيبًا، ثُمَّ قَالَ وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَأُوثِرَنَّ حَبِيبِي عَلَى خَلِيلِي وَنَجِيِّي» .

الْحُجَّةُ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ:

فِي «الصَّحِيحَيْنِ» عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلِي وَمَثَلُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ ابْتَنَى بُيُوتًا فَأَحْسَنَهَا وَأَجْمَلَهَا وَأَكْمَلَهَا إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهَا،