وَالْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ: مِنْ مَرَاتِبِ الْإِيمَانِ بِهِمْ: أَنَّ يَعْلَمَ أَنَّ النَّبِيَّ أَفْضَلُ مِمَّنْ لَيْسَ بِنَبِيٍّ، وَمِنَ الصُّوفِيَّةِ مَنْ يُنَازِعُ فِي هَذَا الْبَابِ.
والمرتبة الثَّالِثَةُ: قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُمْ أَفْضَلُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَقَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ السَّمَاوِيَّةَ أَفْضَلُ مِنْهُمْ، وَهُمْ أَفْضَلُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ الْأَرْضِيَّةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ [الْبَقَرَةِ: ٣٤] وَلِأَرْبَابِ الْمُكَاشَفَاتِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُبَاحَثَاتٌ غَامِضَةٌ.
الْمَرْتَبَةُ الرَّابِعَةُ: أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ بَعْضَهُمْ أَفْضَلُ مِنَ الْبَعْضِ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ [الْبَقَرَةِ: ٢٥٣] وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ وَتَمَسَّكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى لَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ [الْبَقَرَةِ: ٢٨٥] .
وَأَجَابَ الْعُلَمَاءُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ شَيْءٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الطَّرِيقَ إِلَى إِثْبَاتِ نُبُوَّةِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِذَا كَانُوا حَاضِرِينَ هُوَ ظُهُورُ الْمُعْجِزَةِ عَلَى وَفْقِ دَعَاوِيهِمْ، فَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ الطَّرِيقَ، وَجَبَ فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ ظَهَرَتِ الْمُعْجِزَةُ عَلَى وَفْقِ دَعْوَاهُ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ هَذَا الطَّرِيقُ وَجَبَ أَنْ لَا يَدُلَّ فِي حَقِّ أَحَدٍ مِنْهُمْ عَلَى صِحَّةِ رِسَالَتِهِ، فَأَمَّا أَنْ يَدُلَّ عَلَى رِسَالَةِ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ فَقَوْلٌ فَاسِدٌ مُتَنَاقِضٌ، وَالْغَرَضُ مِنْهُ تَزْيِيفُ طَرِيقَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ يُقِرُّونَ بِنُبُوَّةِ مُوسَى وَعِيسَى، وَيُكَذِّبُونَ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ لَا مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ أَفْضَلَ مِنَ الْبَعْضِ فَهَذَا هُوَ الْإِشَارَةُ إِلَى أُصُولِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَرَأَ حَمْزَةُ وَكِتَابِهِ عَلَى الْوَاحِدِ، وَالْبَاقُونَ كُتُبِهِ عَلَى الْجَمْعِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْقُرْآنُ ثُمَّ الْإِيمَانُ بِهِ وَيَتَضَمَّنُ الْإِيمَانَ بِجَمِيعِ الْكُتُبِ وَالرُّسُلِ وَالثَّانِي: عَلَى مَعْنَى الْجِنْسِ فَيُوَافِقُ مَعْنَى الْجَمْعَ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ [الْبَقَرَةِ: ٢١٣] .
فَإِنْ قِيلَ: اسْمُ الْجِنْسِ إِنَّمَا يُفِيدُ الْعُمُومَ إِذَا كَانَ مَقْرُونًا بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ، وَهَذِهِ مُضَافَةٌ.
قُلْنَا: قَدْ جَاءَ الْمُضَافُ مِنَ الْأَسْمَاءِ وَنَعْنِي بِهِ الْكَثْرَةَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوها [إِبْرَاهِيمَ: ٣٤] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ [الْبَقَرَةِ: ١٨٧] وَهَذَا الْإِحْلَالُ شَائِعٌ فِي جَمِيعِ الصِّيَامِ قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَالْقِرَاءَةُ بِالْجَمْعِ أَفْضَلُ لِمُشَاكَلَةٍ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ لَفْظِ الْجَمْعِ وَلِأَنَّ أَكْثَرَ الْقِرَاءَةِ عَلَيْهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْقُرَّاءَ أَجْمَعُوا فِي قَوْلِهِ وَرُسُلِهِ عَلَى ضَمِّ السِّينِ، وَعَنْ أَبِي عَمْرٍو سُكُونُهَا، وَعَنْ نَافِعٍ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ مُخَفَّفِينَ، وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ أَنَّ أَصْلَ الْكَلِمَةِ عَلَى فُعُلٍ بِضَمِّ الْعَيْنِ، وَحُجَّةُ أَبِي عَمْرٍو هِيَ أَنْ لَا تَتَوَالَى أَرْبَعُ مُتَحَرِّكَاتٍ، لِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ، وَلِهَذَا لَمْ تَتَوَالَ هَذِهِ الْحَرَكَاتُ فِي شِعْرٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُزَاحِفًا، وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ أَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ فِي الْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ أَمَّا فِي الْكَلِمَتَيْنِ فَلَا بِدَلِيلِ أَنَّ الْإِدْغَامَ غَيْرُ لَازِمٍ فِي وَجَعَلَ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ قَدْ تَوَالَى فِيهِ خَمْسُ مُتَحَرِّكَاتٍ، وَالْكَلِمَةُ إِذَا اتَّصَلَ بِهَا ضَمِيرٌ فَهِيَ كَلِمَتَانِ لَا كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ فِيهِ مَحْذُوفٌ، وَالتَّقْدِيرُ: يَقُولُونَ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ كَقَوْلِهِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا [الْأَنْعَامِ: ٩٣] مَعْنَاهُ يَقُولُونَ: أَخْرِجُوا وَقَالَ: وَالَّذِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute