للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالَ: أَفَأَضْرِبُهُ؟ قَالَ: مِمَّا كُنْتَ ضَارِبًا مِنْهُ وَلَدَكَ،

وَخَامِسُهَا: مَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ إِلَى عَمَّارٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي رَزَقْتُكُمْ كُلَّ يَوْمٍ شَاةً شَطْرُهَا لِعَمَّارٍ، وَرُبُعُهَا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَرُبُعُهَا لِعُثْمَانَ، أَلَا وَإِنِّي قَدْ أَنْزَلْتُ نَفْسِي وَإِيَّاكُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ بِمَنْزِلَةِ وَلِيِّ مَالِ الْيَتِيمِ: مَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ، وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ وَلِيَّ يَتِيمٍ قَالَ لَهُ: أَفَأَشْرَبُ مِنْ لَبَنِ إِبِلِهِ؟ قَالَ: إِنْ كُنْتَ تَبْغِي ضَالَّتَهَا وَتَلُوطُ حَوْضَهَا وَتَهْنَأُ جَرْبَاهَا وَتَسْقِيهَا يَوْمَ وِرْدِهَا، فَاشْرَبْ غَيْرَ مُضِرٍّ بِنَسْلٍ، وَلَا نَاهِكٍ فِي الْحَلْبِ وَعَنْهُ أَيْضًا: يَضْرِبُ بِيَدِهِ مَعَ أَيْدِيهِمْ فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يَلْبَسْ عِمَامَةً فَمَا فَوْقَهَا، وَسَادِسُهَا:

أَنَّ الْوَصِيَّ لَمَّا تَكَفَّلَ بِإِصْلَاحِ مُهِمَّاتِ الصَّبِيِّ وَجَبَ أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِهِ بِقَدْرِ عَمَلِهِ قِيَاسًا عَلَى السَّاعِي فِي أَخْذِ الصَّدَقَاتِ وَجَمْعِهَا، فَإِنَّهُ يُضْرَبُ لَهُ فِي تلك الصدقات بسهم، فكذا هاهنا، فَهَذَا تَقْرِيرُ هَذَا الْقَوْلِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ له أن يأخذ بقدر ما يحتاج إليه مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ قَرْضًا، ثُمَّ إِذَا أَيْسَرَ قَضَاهُ، وَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقَضَاءِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهَذَا قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ وَأَبِي الْعَالِيَةِ، وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ خَصَّ هَذَا الْإِقْرَاضَ بِأُصُولِ الْأَمْوَالِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَغَيْرِهَا، فَأَمَّا التَّنَاوُلُ مِنْ أَلْبَانِ الْمَوَاشِي وَاسْتِخْدَامِ الْعَبِيدِ وَرُكُوبِ الدَّوَابِّ، فَمُبَاحٌ لَهُ إِذَا كَانَ غَيْرَ مُضِرٍّ بِالْمَالِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي الْعَالِيَةِ وَغَيْرِهِ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَحَكَمَ فِي الْأَمْوَالِ بِدَفْعِهَا إِلَيْهِمْ.

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ: الَّذِي نَعْرِفُهُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ عَلَى سَبِيلِ الْقَرْضِ وَلَا عَلَى سَبِيلِ الِابْتِدَاءِ، سَوَاءً كَانَ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا. وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِآيَاتٍ: مِنْهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ إلى قوله: إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً [النساء: ٢] وَمِنْهَا: قَوْلُهُ: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً [النِّسَاءِ: ١٠] وَمِنْهَا: قَوْلُهُ: وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ [النِّسَاءِ:

١٢٧] وَمِنْهَا: قَوْلُهُ: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ [الْبَقَرَةِ: ١٨٨] قَالَ: فَهَذِهِ الْآيَةُ مُحْكَمَةٌ حَاصِرَةٌ لِمَالِ الْيَتِيمِ عَلَى وَصِيِّهِ فِي حَالِ الْغِنَى وَالْفَقْرِ، وَقَوْلُهُ: وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ مُتَشَابِهٌ مُحْتَمِلٌ فَوَجَبَ رَدُّهُ لِكَوْنِهِ مُتَشَابِهًا إلى تلك المحكمات، وعندي أن هذه الآيات لَا تَدُلُّ عَلَى مَا ذَهَبَ الرَّازِيُّ/ إِلَيْهِ. أما قوله:

وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ فَهُوَ عَامٌّ وَهَذِهِ الْآيَةُ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا خَاصَّةٌ، وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ. وَقَوْلُهُ: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً فَهُوَ إِنَّمَا يَتَنَاوَلُ هَذِهِ الْوَاقِعَةَ لَوْ ثَبَتَ أَنَّ أَكْلَ الْوَصِيِّ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ بِالْمَعْرُوفِ ظُلْمٌ، وَهَلِ النِّزَاعُ إِلَّا فِيهِ، وَهُوَ الْجَوَابُ بِعَيْنِهِ عَنْ قوله: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ أما قوله: وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ فَهُوَ إِنَّمَا يَتَنَاوَلُ مَحَلَّ النِّزَاعِ لَوْ ثَبَتَ أَنَّ هَذَا الْأَكْلَ لَيْسَ بِقِسْطٍ، وَالنِّزَاعُ لَيْسَ إِلَّا فِيهِ، فَثَبَتَ أَنَّ كَلَامَهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ سَاقِطٌ رَكِيكٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّ إِذَا دَفَعَ الْمَالَ إِلَى الْيَتِيمِ بَعْدَ صَيْرُورَتِهِ بَالِغًا، فَإِنَّ الْأَوْلَى وَالْأَحْوَطَ أَنْ يُشْهِدَ عَلَيْهِ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْيَتِيمَ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِقَبْضِ الْمَالِ كَانَ أَبْعَدَ مِنْ أَنْ يَدَّعِيَ مَا لَيْسَ لَهُ، وَثَانِيهَا: أَنَّ الْيَتِيمَ إِذَا أَقْدَمَ عَلَى الدَّعْوَى الْكَاذِبَةِ أَقَامَ الْوَصِيُّ الشَّهَادَةَ عَلَى أَنَّهُ دَفَعَ مَالَهُ إِلَيْهِ. ثَالِثُهَا: أَنْ تَظْهَرَ أَمَانَةُ الْوَصِيِّ وَبَرَاءَةُ سَاحَتِهِ، وَنَظِيرُهُ

أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ وَجَدَ لُقَطَةً فَلْيُشْهِدْ ذَوَيْ عَدْلٍ وَلَا يَكْتُمْ وَلَا يُغَيِّبْ»

فَأَمَرَهُ بِالْإِشْهَادِ لِتَظْهَرَ أَمَانَتُهُ وَتَزُولَ التُّهْمَةُ عَنْهُ، فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْإِجْمَاعِ وَالْمَعْقُولِ أَنَّ الْأَحْوَطَ هُوَ الْإِشْهَادُ.

وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْوَصِيَّ إِذَا ادَّعَى بَعْدَ بُلُوغِ الْيَتِيمِ أَنَّهُ قَدْ دَفَعَ الْمَالَ إِلَيْهِ هَلْ هُوَ مُصَدَّقٌ؟ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أَنْفَقْتُ