جَوَازِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا
رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أنه أصابته جنابة وكان بِهِ جِرَاحَةٌ عَظِيمَةٌ، فَسَأَلَ بَعْضَهُمْ فَأَمَرَهُ بِالِاغْتِسَالِ، فَلَمَّا اغْتَسَلَ مَاتَ، فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّه،
فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى جَوَازِ مَا ذَكَرْنَاهُ.
السَّبَبُ الثَّانِي: السَّفَرُ: وَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُسَافِرَ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ تَيَمَّمَ، طَالَ سَفَرُهُ أَوْ قَصُرَ لِهَذِهِ الْآيَةِ.
السَّبَبُ الثَّالِثُ: قَوْلُهُ: أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ وَالْغَائِطُ الْمَكَانُ الْمُطْمَئِنُّ مِنَ الْأَرْضِ وَجَمْعُهُ الْغِيطَانُ. وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَرَادَ قَضَاءَ الْحَاجَةِ طَلَبَ غَائِطًا مِنَ الْأَرْضِ يَحْجُبُهُ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ، ثُمَّ سُمِّيَ الْحَدَثُ بِهَذَا الِاسْمِ تَسْمِيَةً لِلشَّيْءِ بِاسْمِ مَكَانِهِ.
السَّبَبُ الرَّابِعُ: قَوْلُهُ: أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: (لَمَسْتُمْ) بِغَيْرِ أَلِفٍ مِنَ اللَّمْسِ، وَالْبَاقُونَ لامَسْتُمُ بِالْأَلِفِ مِنَ الْمُلَامَسَةِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي اللمس المذكور هاهنا عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْجِمَاعُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ، وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، لِأَنَّ اللَّمْسَ بِالْيَدِ لَا يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ. وَالثَّانِي: أَنَّ المراد باللمس هاهنا الْتِقَاءُ الْبَشَرَتَيْنِ، سَوَاءٌ كَانَ بِجِمَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ أَرْجَحُ مِنَ الْأَوَّلِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ إِحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ هِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَوْ لَمَسْتُمُ النِّسَاءَ وَاللَّمْسُ حَقِيقَتُهُ الْمَسُّ بِالْيَدِ، فَأَمَّا تَخْصِيصُهُ بِالْجِمَاعِ فَذَاكَ مَجَازٌ، وَالْأَصْلُ حَمْلُ الْكَلَامِ عَلَى حَقِيقَتِهِ. وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ قَوْلُهُ: أَوْ لامَسْتُمُ فَهُوَ مُفَاعَلَةٌ مِنَ اللَّمْسِ، وَذَلِكَ لَيْسَ حَقِيقَةً فِي الْجِمَاعِ أَيْضًا، بَلْ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ أَيْضًا، لِئَلَّا يَقَعَ التَّنَاقُضُ بَيْنَ الْمَفْهُومِ مِنَ الْقِرَاءَتَيْنِ الْمُتَوَاتِرَتَيْنِ وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ: الْمُرَادُ بِاللَّمْسِ الْجِمَاعُ، بِأَنَّ لَفْظَ اللَّمْسِ وَالْمَسِّ وَرَدَا فِي الْقُرْآنِ بِمَعْنَى الْجِمَاعِ، قَالَ تَعَالَى: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ [الْبَقَرَةِ: ٢٣٧] وَقَالَ فِي آيَةِ الظِّهَارِ: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا [الْمُجَادَلَةِ: ٣] وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اللَّه حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَعَفُّ وَيَكْنِي، فَعَبَّرَ عَنِ الْمُبَاشَرَةِ بِالْمُلَامَسَةِ. وَأَيْضًا الْحَدَثُ نَوْعَانِ: الْأَصْغَرُ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ فَلَوْ حَمَلْنَا قَوْلَهُ: أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ/ عَلَى الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ لَمَا بَقِيَ لِلْحَدَثِ الْأَكْبَرِ ذِكْرٌ فِي الْآيَةِ، فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَا ذَكَرُوهُ عُدُولٌ عَنْ ظَاهِرِ اللَّفْظِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ. وَأَيْضًا فَحُكْمُ الْجَنَابَةِ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَلا جُنُباً فَلَوْ حَمَلْنَا هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى الْجَنَابَةِ لَزِمَ التَّكْرَارُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ: إِنَّمَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُ اللَّامِسِ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ: أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ أَمَّا الْمَلْمُوسُ فَلَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّه عنه: بل ينتقض وضوءهما مَعًا.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ هَذِهِ الْأَسْبَابَ الْأَرْبَعَةَ قَالَ: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: إِذَا دَخَلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ فَطَلَبَ الْمَاءَ وَلَمْ يَجِدْهُ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى، ثُمَّ دَخَلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ الطَّلَبُ مَرَّةً أُخْرَى. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ لَا يَجِبُ. حُجَّةُ الشَّافِعِيِّ قَوْلُهُ: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً وَعَدَمُ الْوِجْدَانِ مُشْعِرٌ بِسَبْقِ الطَّلَبِ، فَلَا بُدَّ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مِنْ سَبْقِ الطَّلَبِ.