للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ عَامٌّ سَوَاءٌ كَانَ السَّوْطُ وَالْعَصَا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا.

وَالْجَوَابُ: أَنَّ

قَوْلَهُ: «قَتِيلُ الْخَطَأِ»

يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْخَطَأِ حَاصِلًا فِيهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَنْ خَنَقَ إِنْسَانًا أَوْ ضَرَبَ رَأْسَهُ بِحَجَرِ الرَّحَا، ثُمَّ قَالَ: مَا كُنْتُ أَقْصِدُ قَتْلَهُ، فَإِنَّ كُلَّ عَاقِلٍ بِبَدِيهَةِ عَقْلِهِ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ فِي هَذَا الْمَقَالِ، فَوَجَبَ حَمْلُ هَذَا الضَّرْبِ عَلَى الضَّرْبِ بِالْعَصَا الصَّغِيرَةِ حَتَّى يَبْقَى مَعْنَى الْخَطَأِ فِيهِ. واللَّه أَعْلَمُ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْقَتْلُ الْعَمْدُ لَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُوجِبُ. احْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِهَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ قَوْلُهُ: وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَعِنْدَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ لَا يَحْصُلُ الْمَشْرُوطُ، فَيُقَالُ لَهُ: إِنَّهُ تَعَالَى قَالَ: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ [النِّسَاءِ: ٢٥] فقوله: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مَا كَانَ شَرْطًا لِجَوَازِ نِكَاحِ الْأَمَةِ عَلَى قولكم، فكذلك هاهنا. ثُمَّ نَقُولُ:

الَّذِي يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْخَبَرُ وَالْقِيَاسُ.

أَمَّا الْخَبَرُ فهو ما

روى واثلة ابن الْأَسْقَعِ قَالَ: أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَاحِبٍ لَنَا أَوْجَبَ النَّارَ بِالْقَتْلِ، فَقَالَ:

أَعْتِقُوا عَنْهُ يَعْتِقِ اللَّه بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ.

وَأَمَّا الْقِيَاسُ: فَهُوَ أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ إِعْتَاقِ الْعَبْدِ هُوَ أَنْ يَعْتِقَهُ اللَّه مِنَ النَّارِ، وَالْحَاجَةُ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ أَتَمُّ، فَكَانَتِ الْحَاجَةُ فِيهِ إِلَى إِيجَابِ الْكَفَّارَةِ أَتَمَّ واللَّه أَعْلَمُ.

وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ حُجَّةً أُخْرَى مِنْ قِيَاسِ الشَّبَهِ فَقَالَ: لَمَّا وَجَبَتِ الْكَفَّارَةُ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ فِي الْإِحْرَامِ سَوَّيْنَا بَيْنَ الْعَامِدِ وَبَيْنَ الْخَاطِئِ إِلَّا فِي الْإِثْمِ، فَكَذَا فِي قَتْلِ الْمُؤْمِنِ، وَلِهَذَا الْكَلَامِ تَأْكِيدٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: نَصَّ اللَّه تَعَالَى هُنَاكَ فِي الْعَامِدِ، وَأَوْجَبْنَا عَلَى الْخَاطِئِ فَهَهُنَا نَصَّ عَلَى الْخَاطِئِ، فَبِأَنْ نُوجِبَهُ عَلَى الْعَامِدِ مَعَ أَنَّ احْتِيَاجَ الْعَامِدِ إِلَى الْإِعْتَاقِ الْمُخْلِصِ لَهُ عَنِ النَّارِ/ أَشَدُّ كَانَ ذَلِكَ أَوْلَى.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ: لَا تَجْزِي الرَّقَبَةُ إِلَّا إِذَا صَامَ وَصَلَّى، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُمْ: يَجْزِي الصَّبِيَّ إِذَا كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمًا. حُجَّةُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذِهِ الْآيَةُ، فَإِنَّهُ تَعَالَى أَوْجَبَ تَحْرِيرَ الرَّقَبَةِ الْمُؤْمِنَةِ، وَالْمُؤْمِنُ مَنْ يَكُونُ مَوْصُوفًا بِالْإِيمَانِ، وَالْإِيمَانُ إِمَّا التَّصْدِيقُ وَإِمَّا الْعَمَلُ وَإِمَّا الْمَجْمُوعُ، وَعَلَى التَّقْدِيرَاتِ فَالْكُلُّ فَائِتٌ عَنِ الصَّبِيِّ فَلَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجْزِيَ. حُجَّةُ الْفُقَهَاءُ أَنَّ قَوْلَهُ: وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً يَدْخُلُ فِيهِ الصَّغِيرُ، فَكَذَا قَوْلُهُ: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَوَجَبَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ الصَّغِيرُ.

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّه: الدِّيَةُ فِي الْعَمْدِ الْمَحْضِ وَفِي شِبْهِ الْعَمْدِ مُغَلَّظَةٌ مُثَلَّثَةٌ ثَلَاثُونَ حِقَّةً، وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا.

وَأَمَّا فِي الْخَطَأِ الْمَحْضِ فَمُخَفَّفَةٌ: عِشْرُونَ بَنَاتِ مَخَاضٍ، وَعِشْرُونَ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ بنو لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ حِقَّةً، وَعِشْرُونَ جَذَعَةً. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَهُوَ أَيْضًا هَكَذَا يَقُولُ فِي الْكُلِّ إِلَّا فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ أَوْجَبَ بَنِي مَخَاضٍ بَدَلًا عَنْ بَنَاتٍ لَبُونٍ. حُجَّةُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّه أَنَّهُ تَعَالَى أَوْجَبَ الدِّيَةَ فِي الْقُرْآنِ وَلَمْ يُبَيِّنْ كَيْفِيَّةَ الدِّيَةِ فَرَجَعْنَا فِي مَعْرِفَةِ الْكَيْفِيَّةِ إِلَى السُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ، فَلَمْ نَجِدْ فِي السُّنَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ.

وَأَمَّا الْقِيَاسُ فَإِنَّهُ لَا مَجَالَ لِلْمُنَاسَبَاتِ وَالتَّعْلِيلَاتِ الْمَعْقُولَةِ فِي تعيين الأسباب وتعيين الأعداد، فلم يبق

<<  <  ج: ص:  >  >>