أُصِيبَ مِنْهُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُشْعِرًا بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً مِنْ لِحَاءِ شَجَرِ الْحَرَمِ، أَوْ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ إِلَى الْبَيْتِ، فَحِينَئِذٍ لَا يُتَعَرَّضُ لَهُ، فَأَمَرَ اللَّه الْمُسْلِمِينَ بِتَقْرِيرِ هَذَا الْمَعْنَى.
ثُمَّ قَالَ: وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ أَيْ قَوْمًا قَاصِدِينَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّه: ولا آمي البيت الحرام على الإضافة.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ حُمَيْدُ بْنُ قَيْسٍ الْأَعْرَجُ تَبْتَغُونَ بِالتَّاءِ عَلَى خِطَابِ الْمُؤْمِنِينَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي تَفْسِيرِ الْفَضْلِ وَالرِّضْوَانِ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ بِالتِّجَارَةِ الْمُبَاحَةِ لَهُمْ فِي حَجِّهِمْ، كَقَوْلِهِ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ [الْبَقَرَةِ: ١٩٨] قَالُوا: نَزَلَتْ فِي تِجَارَاتِهِمْ أَيَّامَ الْمَوْسِمِ، وَالْمَعْنَى: لَا تَمْنَعُوهُمْ فَإِنَّمَا قَصَدُوا الْبَيْتَ لِإِصْلَاحِ مَعَاشِهِمْ وَمَعَادِهِمْ، فَابْتِغَاءُ الْفَضْلِ لِلدُّنْيَا، وَابْتِغَاءُ الرِّضْوَانِ لِلْآخِرَةِ. قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ: إِنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَقْصِدُونَ بِحَجِّهِمُ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّه وَإِنْ كَانُوا لَا يَنَالُونَ ذَلِكَ، فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَحْصُلَ لَهُمْ بِسَبَبِ هَذَا الْقَصْدِ نَوْعٌ مِنَ الْحُرْمَةِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِفَضْلِ اللَّه الثَّوَابُ، وَبِالرِّضْوَانِ أَنْ يَرْضَى عَنْهُمْ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْكَافِرَ وَإِنْ كَانَ لَا يَنَالُ الْفَضْلَ وَالرِّضْوَانَ لَكِنَّهُ يَظُنُّ أن بِفِعْلِهِ طَالِبٌ لَهُمَا، فَيَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ بِذَلِكَ بِنَاءً عَلَى ظَنِّهِ، قَالَ تَعَالَى:
وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ [طه: ٩٧] وَقَالَ ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ [الدُّخَانِ: ٤٩] .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ، لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ يَقْتَضِي حُرْمَةَ الْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، وَذَلِكَ مَنْسُوخٌ بقوله فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [التوبة: ٥] قوله وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَقْتَضِي حُرْمَةَ مَنْعِ الْمُشْرِكِينَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَذَلِكَ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هَذَا [البقرة: ٢٨] وَهَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ كَابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: لَمْ يُنْسَخْ مِنْ سُورَةِ الْمَائِدَةِ إِلَّا هَذِهِ الْآيَةُ. وَقَالَ قَوْمٌ آخَرُونَ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: هَذِهِ الْآيَةُ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ، وَهَؤُلَاءِ لَهُمْ طَرِيقَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَمَرَنَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنْ لَا نُخِيفَ مَنْ يَقْصِدُ بَيَتَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَحَرَّمَ عَلَيْنَا أَخْذَ الْهَدْيِ مِنَ الْمُهْدِينَ إِذَا كَانُوا مُسْلِمِينَ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَوَّلُ الْآيَةِ وَآخِرُهَا، أَمَّا أَوَّلُ الْآيَةِ فَهُوَ قَوْلُهُ لَا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَشَعَائِرُ اللَّه إِنَّمَا تَلِيقُ بِنُسُكِ الْمُسْلِمِينَ وَطَاعَاتِهِمْ لَا بِنُسُكِ الْكُفَّارِ، وَأَمَّا آخِرُ الْآيَةِ فَهُوَ قَوْلُهُ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً وَهَذَا إِنَّمَا يَلِيقُ بِالْمُسْلِمِ لَا بِالْكَافِرِ. الثَّانِي:
قَالَ أَبُو مُسْلِمٍ الْأَصْفَهَانِيُّ: الْمُرَادُ بِالْآيَةِ الْكُفَّارُ الَّذِينَ كَانُوا فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا زَالَ الْعَهْدُ بِسُورَةِ بَرَاءَةٌ زَالَ ذَلِكَ الْحَظْرُ وَلَزِمَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هَذَا.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَفِيهِ مسائل:
المسألة الأولى: قريء: وإذا أحللتم يقال حل المحرم وأحل، وقريء بِكَسْرِ الْفَاءِ وَقِيلَ هُوَ بَدَلٌ مِنْ كَسْرِ الْهَمْزَةِ عِنْدَ الِابْتِدَاءِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: هَذِهِ الْآيَةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ [المائدة: ١] يَعْنِي لَمَّا كَانَ الْمَانِعُ مِنْ حِلِّ الِاصْطِيَادِ هُوَ الْإِحْرَامُ، فَإِذَا زَالَ الْإِحْرَامُ وَجَبَ أَنْ يزول المنع.