للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْآيَةَ لَا تَدُلُّ عَلَى إِمَامَتِهِ، فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ، وَالثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَهُ وَهُمْ راكِعُونَ لَا يَجُوزُ جَعْلُهُ عَطْفًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ، لِأَنَّ الصَّلَاةَ قَدْ تَقَدَّمَتْ، وَالصَّلَاةُ مُشْتَمِلَةُ عَلَى الرُّكُوعِ، فَكَانَتْ إِعَادَةُ ذِكْرِ الرُّكُوعِ تَكْرَارًا، فَوَجَبَ جَعْلُهُ حَالًا أَيْ يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ حَالَ كَوْنِهِمْ رَاكِعِينَ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ إِيتَاءَ الزَّكَاةِ حَالَ الرُّكُوعِ لَمْ يَكُنْ إِلَّا فِي حَقِّ عَلِيٍّ، فَكَانَتِ الْآيَةُ مَخْصُوصَةً بِهِ وَدَالَّةً عَلَى إِمَامَتِهِ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي قَرَّرْنَاهُ، وَهَذَا حَاصِلُ اسْتِدْلَالِ الْقَوْمِ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى إِمَامَةِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

وَالْجَوَابُ: أَمَّا حَمْلُ لَفْظِ الْوَلِيِّ عَلَى النَّاصِرِ وَعَلَى الْمُتَصَرِّفِ مَعًا فَغَيْرُ جَائِزٍ، لِمَا ثَبَتَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَمْلُ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَفْهُومَيْهِ مَعًا.

أَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي: فَنَقُولُ: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ لَفْظِ الْوَلِيِّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ النَّاصِرَ وَالْمُحِبَّ، وَنَحْنُ نُقِيمُ الدَّلَالَةَ عَلَى أَنَّ حَمْلَ لَفْظِ الْوَلِيِّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى مَعْنَى الْمُتَصَرِّفِ. ثُمَّ نُجِيبُ عَمَّا قَالُوهُ فَنَقُولُ: الَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حَمْلَهُ عَلَى النَّاصِرِ أَوْلَى وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّ اللَّائِقَ بِمَا قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ وَبِمَا بَعْدَهَا لَيْسَ إِلَّا هَذَا الْمَعْنَى، أَمَّا مَا قَبْلَ هذه الآية فلأنه تعالى قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ [المائدة: ٥١] وَلَيْسَ الْمُرَادُ لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَئِمَّةً مُتَصَرِّفِينَ فِي أَرْوَاحِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ لِأَنَّ بُطْلَانَ هَذَا كَالْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ، بَلِ الْمُرَادُ لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَحْبَابًا وَأَنْصَارًا، وَلَا تُخَالِطُوهُمْ وَلَا تُعَاضِدُوهُمْ، ثُمَّ لَمَّا بَالَغَ فِي النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ قَالَ: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّه وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ الْمَوْصُوفُونَ، والظاهر أن الولاية المأمور بها هاهنا هِيَ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا فِيمَا قَبْلُ، وَلَمَّا كَانَتِ الْوَلَايَةُ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا فِيمَا قَبْلُ هِيَ الْوَلَايَةَ بِمَعْنَى النُّصْرَةِ كَانَتِ/ الْوَلَايَةُ الْمَأْمُورُ بِهَا هِيَ الْوَلَايَةَ بِمَعْنَى النُّصْرَةِ، وَأَمَّا مَا بَعْدَ هَذِهِ الآية فهي قوله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [الْمَائِدَةِ: ٥٧] فَأَعَادَ النَّهْيَ عَنِ اتِّخَاذِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْكُفَّارِ أَوْلِيَاءَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْوَلَايَةَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا هِيَ الْوَلَايَةُ بِمَعْنَى النُّصْرَةِ، فَكَذَلِكَ الْوَلَايَةُ فِي قَوْلِهِ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ هِيَ بِمَعْنَى النُّصْرَةِ، وَكُلُّ مَنْ أَنْصَفَ وَتَرَكَ التَّعَصُّبَ وَتَأَمَّلَ فِي مُقَدِّمَةِ الْآيَةِ وَفِي مُؤَخَّرِهَا قَطَعَ بِأَنَّ الْوَلِيَّ فِي قَوْلِهِ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ لَيْسَ إِلَّا بِمَعْنَى النَّاصِرِ وَالْمُحِبِّ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْإِمَامِ، لِأَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ إِلْقَاءَ كَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ فِيمَا بَيْنَ كَلَامَيْنِ مَسُوقَيْنِ لِغَرَضٍ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ يَكُونُ فِي غَايَةِ الرَّكَاكَةِ وَالسُّقُوطِ، وَيَجِبُ تَنْزِيهُ كَلَامِ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ.

الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّا لَوْ حَمَلْنَا الْوَلَايَةَ عَلَى التَّصَرُّفِ وَالْإِمَامَةِ لَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ الْمَذْكُورُونَ فِي الْآيَةِ مَوْصُوفِينَ بِالْوَلَايَةِ حَالَ نُزُولِ الْآيَةِ، لِأَنَّ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّه وَجْهَهُ مَا كَانَ نَافِذَ التَّصَرُّفِ حَالَ حَيَاةِ الرَّسُولِ، وَالْآيَةُ تَقْتَضِي كَوْنَ هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ مَوْصُوفِينَ بِالْوَلَايَةِ فِي الْحَالِ، أَمَّا لَوْ حَمَلْنَا الْوَلَايَةَ عَلَى الْمَحَبَّةِ وَالنُّصْرَةِ كَانَتِ الْوَلَايَةُ حَاصِلَةً فِي الْحَالِ، فَثَبَتَ أَنَّ حَمْلَ الْوَلَايَةِ عَلَى الْمَحَبَّةِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهَا عَلَى التَّصَرُّفِ، وَالَّذِي يُؤَكِّدُ مَا قُلْنَاهُ أَنَّهُ تَعَالَى مَنَعَ الْمُؤْمِنِينَ مِنِ اتِّخَاذِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِمُوَالَاةِ هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ مُوَالَاةُ هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ حَاصِلَةً فِي الْحَالِ حَتَّى يَكُونَ النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ مُتَوَارِدَيْنِ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ، وَلَمَّا كَانَتِ الْوَلَايَةُ بِمَعْنَى التَّصَرُّفِ غَيْرَ حَاصِلَةٍ فِي الْحَالِ امْتَنَعَ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَيْهَا.

الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ الْمُؤْمِنِينَ الْمَوْصُوفِينَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ فِي سَبْعَةِ مَوَاضِعَ وَهِيَ قَوْلُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>