للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ وَحَمْلُ أَلْفَاظِ الْجَمْعِ وَإِنْ جَازَ عَلَى الْوَاحِدِ عَلَى سَبِيلِ التَّعْظِيمِ لَكِنَّهُ مَجَازٌ لَا حَقِيقَةٌ، وَالْأَصْلَ حَمْلُ الْكَلَامِ عَلَى الْحَقِيقَةِ الْحُجَّةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّا قَدْ بَيَّنَّا بِالْبُرْهَانِ الْبَيِّنِ أن الآية المتقدمة وهي قوله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ [المائدة: ٥٤] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ مِنْ أَقْوَى الدَّلَائِلِ عَلَى صِحَّةِ إِمَامَةِ أَبِي بَكْرٍ، فَلَوْ دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى صِحَّةِ إِمَامَةِ عَلِيٍّ بَعْدَ الرَّسُولِ لَزِمَ التَّنَاقُضُ بَيْنَ الْآيَتَيْنِ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ، فَوَجَبَ الْقَطْعُ بِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَا دَلَالَةَ فِيهَا عَلَى أَنَّ عَلِيًّا هُوَ الْإِمَامُ بَعْدَ الرَّسُولِ.

الْحُجَّةُ الْخَامِسَةُ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ أَعْرَفَ بِتَفْسِيرِ الْقُرْآنِ مِنْ هَؤُلَاءِ الرَّوَافِضِ، فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ دَالَّةً عَلَى إِمَامَتِهِ لَاحْتُجَّ بِهَا فِي مَحْفِلٍ مِنَ الْمَحَافِلِ، وَلَيْسَ للقوم أن يقولوا: إنه/ تركه للتقية فإنهم يَنْقُلُونَ عَنْهُ أَنَّهُ تَمَسَّكَ يَوْمَ الشُّورَى بِخَبَرِ الْغَدِيرِ، وَخَبَرِ الْمُبَاهَلَةِ، وَجَمِيعِ فَضَائِلِهِ وَمَنَاقِبِهِ، وَلَمْ يَتَمَسَّكْ أَلْبَتَّةَ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي إِثْبَاتِ إِمَامَتِهِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ الْقَطْعَ بِسُقُوطِ قَوْلِ هَؤُلَاءِ الرَّوَافِضِ لَعَنَهُمُ اللَّه.

الْحُجَّةُ السَّادِسَةُ: هَبْ أَنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى إِمَامَةِ عَلِيٍّ، لَكُنَّا تَوَافَقْنَا عَلَى أَنَّهَا عِنْدَ نُزُولِهَا مَا دَلَّتْ عَلَى حُصُولِ الْإِمَامَةِ فِي الْحَالِ، لِأَنَّ عَلِيًّا مَا كَانَ نَافِذَ التَّصَرُّفِ فِي الْأُمَّةِ حَالَ حَيَاةِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ تُحْمَلَ الْآيَةُ عَلَى أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَلِيًّا سَيَصِيرُ إِمَامًا بَعْدَ ذَلِكَ، وَمَتَى قَالُوا ذَلِكَ فَنَحْنُ نَقُولُ بِمُوجَبِهِ وَنَحْمِلُهُ عَلَى إِمَامَتِهِ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، إِذْ لَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَعْيِينِ الْوَقْتِ، فَإِنْ قَالُوا: الْأُمَّةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ: مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى إِمَامَةِ عَلِيٍّ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى إِمَامَتِهِ، وَكُلُّ مَنْ قَالَ بِذَلِكَ قَالَ: إِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى إِمَامَتِهِ بَعْدَ الرَّسُولِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، فَالْقَوْلُ بِدَلَالَةِ الْآيَةِ عَلَى إِمَامَةِ عَلِيٍّ لَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، قَوْلٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّا نُجِيبُ عَنْهُ فَنَقُولُ: وَمَنِ الَّذِي أَخْبَرَكُمْ أَنَّهُ مَا كَانَ أَحَدٌ فِي الْأُمَّةِ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ، فَإِنَّ مِنَ الْمُحْتَمَلِ، بَلْ مِنَ الظَّاهِرِ أَنَّهُ مُنْذُ اسْتَدَلَّ مُسْتَدِلٌّ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى إِمَامَةِ عَلِيٍّ، فَإِنَّ السَّائِلَ يُورِدُ عَلَى ذَلِكَ الِاسْتِدْلَالِ هَذَا السُّؤَالَ، فَكَانَ ذِكْرُ هَذَا الِاحْتِمَالِ وَهَذَا السُّؤَالِ مَقْرُونًا بِذِكْرِ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ.

الْحُجَّةُ السَّابِعَةُ: أَنَّ قَوْلَهُ: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ لَا شَكَّ أَنَّهُ خِطَابٌ مَعَ الْأُمَّةِ، وَهُمْ كَانُوا قَاطِعِينَ بِأَنَّ الْمُتَصَرِّفَ فِيهِمْ هُوَ اللَّه وَرَسُولُهُ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ اللَّه تعالى هذا الكلام تطييبا لقلوب الْمُؤْمِنِينَ وَتَعْرِيفًا لَهُمْ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ بِهِمْ إِلَى اتِّخَاذِ الْأَحْبَابِ وَالْأَنْصَارِ مِنَ الْكُفَّارِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ كَانَ اللَّه وَرَسُولُهُ نَاصِرًا لَهُ وَمُعِينًا لَهُ فَأَيُّ حَاجَةٍ بِهِ إِلَى طَلَبِ النُّصْرَةِ وَالْمَحَبَّةِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ هُوَ الْوَلَايَةُ بِمَعْنَى النُّصْرَةِ وَالْمَحَبَّةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ لَفْظَ الْوَلِيِّ مَذْكُورٌ مَرَّةً وَاحِدَةً، فلما أريد به هاهنا مَعْنَى النُّصْرَةِ امْتَنَعَ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَعْنَى التَّصَرُّفِ لِمَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَفْهُومَيْهِ مَعًا.

الْحُجَّةُ الثَّامِنَةُ: أَنَّهُ تَعَالَى مَدَحَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِقَوْلِهِ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ [الْمَائِدَةِ: ٥٤] فَإِذَا حَمَلْنَا قَوْلَهُ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَلَى مَعْنَى الْمَحَبَّةِ وَالنُّصْرَةِ كَانَ قَوْلُهُ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ يُفِيدُ فَائِدَةَ قَوْلِهِ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ وقوله يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [المائدة: ٥٤] يُفِيدُ فَائِدَةَ قَوْلِهِ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ/ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ [الْمَائِدَةِ: ٥٥] فَكَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مُطَابِقَةً لِمَا قَبْلَهَا مُؤَكِّدَةً لِمَعْنَاهَا فَكَانَ ذَلِكَ أَوْلَى، فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْوُجُوهِ أن الولاية

<<  <  ج: ص:  >  >>