جَوَازِ رُؤْيَةِ اللَّه تَعَالَى: وَالثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى عَلَّقَ الرُّؤْيَةَ عَلَى اسْتِقْرَارِ الْجَبَلِ حَيْثُ قَالَ: فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي [الْأَعْرَافِ: ١٤٣] وَاسْتِقْرَارُ الجبل جائز والمعلق على الجائز جايز، وَهَذَانِ الدَّلِيلَانِ سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُمَا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ.
الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ: التَّمَسُّكُ بِقَوْلِهِ: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ مِنَ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ.
الْحُجَّةُ الرَّابِعَةُ: التَّمَسُّكُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى [يونس: ٢٦] وزيادة وَتَقْرِيرُهُ قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي سُورَةِ يُونُسَ.
الْحُجَّةُ الْخَامِسَةُ: التَّمَسُّكُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ [الْكَهْفِ: ١١٠] وَكَذَا الْقَوْلُ فِي جَمِيعِ الْآيَاتِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى اللِّقَاءِ وَتَقْرِيرُهُ قَدْ مَرَّ فِي هَذَا التَّفْسِيرِ مِرَارًا وَأَطْوَارًا.
الْحُجَّةُ السَّادِسَةُ: التَّمَسُّكُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً [الإنسان: ٢٠] فإن إحدى القراآت فِي هَذِهِ الْآيَةِ: مُلْكاً بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ اللَّامِ، وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْمَلِكَ لَيْسَ إِلَّا اللَّه تَعَالَى. وَعِنْدِي التَّمَسُّكُ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَقْوَى مِنَ التَّمَسُّكِ بِغَيْرِهَا.
الْحُجَّةُ السَّابِعَةُ: التَّمَسُّكُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [الْمُطَفِّفِينَ: ١٥] وَتَخْصِيصُ الْكُفَّارِ بِالْحَجْبِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَكُونُونَ مَحْجُوبِينَ عَنْ رُؤْيَةِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ.
الْحُجَّةُ الثَّامِنَةُ: التَّمَسُّكُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى [النَّجْمِ: ١٣، ١٤] وَتَقْرِيرُ هَذِهِ الْحُجَّةِ سَيَأْتِي فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ النَّجْمِ.
الْحُجَّةُ التَّاسِعَةُ: أَنَّ الْقُلُوبَ الصَّافِيَةَ مَجْبُولَةٌ عَلَى حُبِّ مَعْرِفَةِ اللَّه تَعَالَى عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ، وَأَكْمَلُ طُرُقِ الْمَعْرِفَةِ هُوَ الرُّؤْيَةُ. فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ رُؤْيَةُ اللَّه تَعَالَى مَطْلُوبَةً لِكُلِّ أَحَدٍ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا وَجَبَ الْقَطْعُ بِحُصُولِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَكُمْ فِيها مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ
[فُصِّلَتْ: ٣١] .
الْحُجَّةُ الْعَاشِرَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا [الْكَهْفِ: ١٠٧] دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ جَمِيعَ جَنَّاتِ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا لِلْمُؤْمِنِينَ، وَالِاقْتِصَارُ فِيهَا عَلَى النُّزُلِ لَا يَجُوزُ، بَلْ لَا بُدَّ وَأَنْ يَحْصُلَ عَقِيبَ النُّزُلِ تَشْرِيفٌ أَعْظَمُ حَالًا مِنْ ذَلِكَ النُّزُلِ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا الرُّؤْيَةُ.
الْحُجَّةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: قَوْلِهِ تَعَالَى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ [الْقِيَامَةِ: ٢٢، ٢٣] وَتَقْرِيرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ سَيَأْتِي فِي الْمَوْضِعِ اللَّائِقِ بِهِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ. وَأَمَّا الْأَخْبَارُ فَكَثِيرَةٌ مِنْهَا الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ وَهُوَ
قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ الْقَمَرَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ»
وَاعْلَمْ أَنَّ التَّشْبِيهَ وَقَعَ فِي تَشْبِيهِ الرُّؤْيَةِ بِالرُّؤْيَةِ فِي الْجَلَاءِ وَالْوُضُوحِ لَا فِي تَشْبِيهِ الْمَرْئِيِّ بِالْمَرْئِيِّ، وَمِنْهَا مَا اتَّفَقَ الْجُمْهُورُ عَلَيْهِ مِنْ
أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ قَرَأَ قَوْلَهُ تَعَالَى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ [يُونُسَ: ٢٦] فَقَالَ الْحُسْنَى هِيَ الْجَنَّةُ، وَالزِّيَادَةُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّه،
وَمِنْهَا أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ النَّبِيَّ صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ هَلْ رَأَى اللَّه لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ، وَلَمْ يُكَفِّرْ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِهَذَا السَّبَبِ؟ وَمَا نَسَبَهُ إِلَى الْبِدْعَةِ وَالضَّلَالَةِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا مُجْمِعِينَ عَلَى أَنَّهُ لَا امْتِنَاعَ عَقْلًا فِي رُؤْيَةِ اللَّه تَعَالَى، فَهَذَا جُمْلَةُ الْكَلَامِ فِي سَمْعِيَّاتِ مَسْأَلَةِ الرُّؤْيَةِ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: دَلَّ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى يَرَى الْأَشْيَاءَ وَيُبْصِرُهَا وَيُدْرِكُهَا.