للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَمَنْ قَالَ إِنَّهُ رَجُلٌ حَرَجُ الصَّدْرِ بِفَتْحِ الرَّاءِ فَمَعْنَاهُ ذُو حَرَجٍ فِي صَدْرِهِ وَمَنْ قَالَ حَرِجَ جَعَلَهُ فَاعِلًا وَكَذَلِكَ رَجُلٌ دَنَفٌ ذُو دَنَفٍ وَدَنِفٌ نَعْتٌ.

الْبَحْثُ الثَّانِي قَالَ بَعْضُهُمْ الْحَرِجُ بِكَسْرِ الرَّاءِ الضَّيِّقُ وَالْحَرَجُ بِالْفَتْحِ جَمْعُ حَرَجَةٍ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الْكَثِيرُ الْأَشْجَارِ الَّذِي لَا تَنَالُهُ الرَّاعِيَةُ. وَحَكَى الْوَاحِدِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ حِكَايَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا رُوِيَ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ وَقَالَ هَلْ هَاهُنَا أَحَدٌ مِنْ بَنِي بَكْرٍ. قَالَ رَجُلٌ نَعَمْ. قَالَ مَا الْحَرَجَةُ فِيكُمْ. قَالَ الْوَادِي الْكَثِيرُ الشَّجَرِ الْمُشْتَبِكُ الَّذِي لَا طَرِيقَ فِيهِ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَذَلِكَ قَلْبُ الْكَافِرِ. وَالثَّانِيَةُ رَوَى الْوَاحِدِيُّ عَنْ أَبِي الصَّلْتِ الثَّقَفِيِّ قَالَ قَرَأَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذِهِ الْآيَةَ ثُمَّ قَالَ ائْتُونِي بِرَجُلٍ مِنْ كِنَانَةَ جَعَلُوهُ رَاعِيًا فَأَتَوْا بِهِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ يَا فَتَى مَا الْحَرَجَةُ فِيكُمْ. قَالَ الْحَرَجَةُ فِينَا الشَّجَرَةُ تُحْدِقُ بِهَا الْأَشْجَارُ فَلَا يَصِلُ إِلَيْهَا رَاعِيَةٌ وَلَا وحشية. فقال عمر وكذلك قَلْبُ الْكَافِرِ لَا يَصِلُ إِلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ الْخَيْرِ.

أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ فَفِيهِ بَحْثَانِ الْبَحْثُ الْأَوَّلُ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرِ يَصْعَدُ سَاكِنَةَ الصَّادِ وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ يَصَّاعَدُ بِالْأَلِفِ وَتَشْدِيدِ الصَّادِ بِمَعْنَى يَتَصَاعَدُ وَالْبَاقُونَ يَصَّعَّدُ بِتَشْدِيدِ الصَّادِ وَالْعَيْنِ بِغَيْرِ أَلِفٍ أَمَّا قِرَاءَةُ ابْنِ كَثِيرٍ يَصْعَدُ فَهِيَ مِنَ الصُّعُودِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ فِي نُفُورِهِ عَنِ الْإِسْلَامِ وَثِقَلِهِ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ مِنْ تَكَلَّفَ الصُّعُودَ إِلَى السَّمَاءِ فَكَمَا أَنَّ ذَلِكَ التَّكْلِيفَ ثَقِيلٌ عَلَى الْقَلْبِ فَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ ثَقِيلٌ عَلَى قَلْبِ الْكَافِرِ وَأَمَّا قِرَاءَةُ أَبِي بَكْرٍ يَصَّاعَدُ فَهُوَ مِثْلُ يَتَصَاعَدُ. وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْبَاقِينَ يَصَّعَّدُ فَهِيَ بِمَعْنَى يَتَصَعَّدُ فَأُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الصَّادِ وَمَعْنَى يَتَصَعَّدُ يَتَكَلَّفُ مَا يَثْقُلُ عَلَيْهِ.

الْبَحْثُ الثَّانِي فِي كَيْفِيَّةِ هَذَا التَّشْبِيهِ وَجْهَانِ الْأَوَّلُ كَمَا أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا كُلِّفَ الصُّعُودَ إِلَى السَّمَاءِ ثَقُلَ ذَلِكَ التَّكْلِيفُ عَلَيْهِ وَعَظُمَ وَصَعُبَ عَلَيْهِ وَقَوِيَتْ نَفْرَتُهُ عَنْهُ فَكَذَلِكَ الْكَافِرُ يَثْقُلُ عَلَيْهِ الْإِيمَانُ وَتَعْظُمُ نَفْرَتُهُ عَنْهُ. وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ أَنَّ قَلْبَهُ يَنْبُو عَنِ الْإِسْلَامِ وَيَتَبَاعَدُ عَنْ قَبُولِ الْإِيمَانِ فَشَبَّهَ ذَلِكَ الْبُعْدَ بِبُعْدِ مَنْ يَصْعَدُ مِنَ الْأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ.

أَمَّا قوله كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فَفِيهِ بَحْثَانِ الْبَحْثُ الْأَوَّلُ الْكَافُ فِي قَوْلِهِ كَذلِكَ يُفِيدُ التَّشْبِيهَ بِشَيْءٍ وَفِيهِ وَجْهَانِ الْأَوَّلُ التَّقْدِيرُ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَيْهِمْ كَجَعْلِهِ ضِيقَ الصَّدْرِ فِي قُلُوبِهِمْ. وَالثَّانِي قَالَ الزَّجَّاجُ التَّقْدِيرُ مِثْلُ مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ.

الْبَحْثُ الثَّانِي اخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ الرِّجْسَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هُوَ الشَّيْطَانُ يُسَلِّطُهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَقَالَ مُجَاهِدٌ الرِّجْسَ مَا لَا خَيْرَ فِيهِ. وَقَالَ عَطَاءٌ الرِّجْسَ الْعَذَابُ وَقَالَ الزَّجَّاجُ الرِّجْسَ اللَّعْنَةُ فِي الدُّنْيَا وَالْعَذَابُ فِي الْآخِرَةِ.

وَلْنَخْتِمْ تَفْسِيرَ هَذِهِ الْآيَةِ بِمَا

رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ أَنَّهُ قَالَ تَذَاكَرْنَا فِي أَمْرِ الْقَدَرِيَّةِ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ لُعِنَتِ الْقَدَرِيَّةُ عَلَى لِسَانِ سَبْعِينَ نبيا منهم نبينا صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ وَقَدْ جُمِعَ النَّاسُ بِحَيْثُ يَسْمَعُ الْكُلُّ أَيْنَ خُصَمَاءُ اللَّهِ فَتَقُومُ الْقَدَرِيَّةُ وَقَدْ أَوْرَدَ الْقَاضِي هَذَا الْحَدِيثَ فِي تَفْسِيرِهِ.

وَقَالَ هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>