للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [الأنعام: ١٠٢ الرعد: ١٦ غافر: ٦٢] وَلَوْ كَانَ تَعَالَى دَاخِلًا تَحْتَ اسْمِ الشَّيْءِ لَزِمَ كَوْنُهُ تَعَالَى خَالِقًا لِنَفْسِهِ وَهُوَ مُحَالٌ. لَا يُقَالُ هَذَا عَامٌّ دَخَلَهُ التَّخْصِيصُ، لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا كَلَامٌ لَا بُدَّ مِنَ الْبَحْثِ عَنْهُ فَنَقُولُ: ثَبَتَ بِحَسَبِ الْعُرْفِ الْمَشْهُورِ أَنَّهُمْ يُقِيمُونَ الْأَكْثَرَ مُقَامَ الْكُلِّ، وَيُقِيمُونَ الشَّاذَّ النَّادِرَ مُقَامَ الْعَدَمِ.

إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: إِنَّهُ إِذَا حَصَلَ الْأَكْثَرُ الْأَغْلَبُ وَكَانَ الْغَالِبُ الشَّاذُّ الْخَارِجُ نَادِرًا، أَلْحَقُوا ذَلِكَ الْأَكْثَرَ بِالْكُلِّ، وَأَلْحَقُوا ذَلِكَ النَّادِرَ بِالْمَعْدُومِ، وَأَطْلَقُوا لَفْظَ الْكُلِّ عَلَيْهِ، وَجَعَلُوا ذَلِكَ الشَّاذَّ النَّادِرَ مِنْ بَابِ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ.

وَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: إِنَّ بِتَقْدِيرِ أَنْ يَصْدُقَ عَلَى اللَّه تَعَالَى اسْمُ الشَّيْءِ كَانَ أَعْظَمُ الْأَشْيَاءِ هُوَ اللَّه تَعَالَى، وَإِدْخَالُ التَّخْصِيصِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمُسَمَّى يَكُونُ مِنْ بَابِ الْكَذِبِ، فَوَجَبَ أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّهُ تَعَالَى لَيْسَ مُسَمًّى بِاسْمِ الشَّيْءِ حَتَّى لَا يَلْزَمَنَا هَذَا الْمَحْذُورُ.

الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ: هَذَا الِاسْمُ مَا وَرَدَ فِي كِتَابِ اللَّه وَلَا سُنَّةِ رَسُولِهِ، وَمَا رَأَيْنَا أَحَدًا مِنَ السَّلَفِ قَالَ فِي دُعَائِهِ يَا شَيْءُ، فَوَجَبَ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ وَارِدٍ فِي كِتَابِ اللَّه أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي يُتَوَهَّمُ اشْتِمَالُهَا عَلَى هَذَا الِاسْمِ قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ [الْأَنْعَامِ: ١٩] وَقَدْ بَيَّنَّا فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَا تَدُلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ، فَسَقَطَ الْكَلَامُ فِيهِ.

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَقَوْلُنَا: مَوْجُودٌ وَمَذْكُورٌ وَذَاتٌ وَمَعْلُومٌ، أَلْفَاظٌ لَا تَدُلُّ عَلَى الشَّرَفِ وَالْجَلَالِ فَوَجَبَ أَنْ تَقُولُوا إِنَّهُ لَا يَجُوزُ إِطْلَاقُهَا عَلَى اللَّه تَعَالَى. فَنَقُولُ: الْحَقُّ فِي هَذَا الْبَابِ التَّفْصِيلُ، وَهُوَ أَنَّا نَقُولُ: مَا الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِكَ: إِنَّهُ تَعَالَى شَيْءٌ، وَذَاتٌ، وَحَقِيقَةٌ؟ إِنْ عَنَيْتَ أَنَّهُ تَعَالَى فِي نَفْسِهِ ذَاتٌ وَحَقِيقَةٌ وَثَابِتٌ وَمَوْجُودٌ وَشَيْءٌ، فَهُوَ كَذَلِكَ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَلَا شُبْهَةٍ، وَإِنْ عَنَيْتَ بِهِ أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُنَادَى بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ أَمْ لَا؟ فَنَقُولُ لَا يَجُوزُ.

لِأَنَّا رَأَيْنَا السَّلَفَ يَقُولُونَ: يَا اللَّه يَا رَحْمَنُ يَا رَحِيمُ إِلَى سَائِرِ الْأَسْمَاءِ الشَّرِيفَةِ، وَمَا رَأَيْنَا وَلَا سَمِعْنَا أَنَّ أَحَدًا يَقُولُ: يَا ذَاتُ يَا حَقِيقَةُ يَا مَفْهُومُ وَيَا مَعْلُومُ، فَكَانَ الِامْتِنَاعُ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِي مَعْرِضِ النِّدَاءِ وَالدُّعَاءِ وَاجِبًا للَّه تَعَالَى. واللَّه أَعْلَمُ.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى حَصَلَتْ لَهُ أَسْمَاءٌ حَسَنَةٌ، وَأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَدْعُوَ اللَّه بِهَا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّه تَوْقِيفِيَّةٌ لَا اصْطِلَاحِيَّةٌ. وَمِمَّا يُؤَكِّدُ هَذَا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: يَا جَوَادُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: يَا سَخِيُّ، وَلَا أَنْ يُقَالَ يَا عَاقِلُ يَا طَبِيبُ يَا فَقِيهُ. وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أسماء اللَّه تعالى توقيفة لَا اصْطِلَاحِيَّةٌ.

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الِاسْمَ غَيْرُ الْمُسَمَّى لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّه كَثِيرَةٌ لِأَنَّ لَفْظَ الْأَسْمَاءِ لفظ الْجَمْعُ، وَهِيَ تُفِيدُ الثَّلَاثَةَ فَمَا فَوْقَهَا، فَثَبَتَ أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّه كَثِيرَةٌ وَلَا شَكَّ أَنَّ اللَّه وَاحِدٌ، فَلَزِمَ الْقَطْعُ بِأَنَّ الِاسْمَ غَيْرُ الْمُسَمَّى وَأَيْضًا قَوْلُهُ: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يَقْتَضِي إِضَافَةَ الْأَسْمَاءِ إِلَى اللَّه، وَإِضَافَةُ الشَّيْءِ إِلَى نَفْسِهِ مُحَالٌ. وَأَيْضًا فَلَوْ قِيلَ: وللَّه الذَّوَاتُ لَكَانَ بَاطِلًا. وَلَمَّا قَالَ: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ كَانَ حَقًّا وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاسْمَ غَيْرُ المسمى.

<<  <  ج: ص:  >  >>