للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّاسِ فِي الصَّلَاةِ فَكَانَ ثَانِيَ اثْنَيْنِ، وَلَمَّا تُوُفِّيَ دُفِنَ بِجَنْبِهِ، فَكَانَ ثَانِيَ اثْنَيْنِ هُنَاكَ أَيْضًا، وَطَعَنَ بَعْضُ الْحَمْقَى مِنَ الرَّوَافِضِ فِي هَذَا الْوَجْهِ وَقَالَ: كَوْنُهُ ثَانِيَ اثْنَيْنِ لِلرَّسُولِ لَا يَكُونُ أَعْظَمَ مِنْ كَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى رابعا لكل ثلاثة فِي قَوْلِهِ: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ [الْمُجَادَلَةِ: ٧] ثُمَّ إِنَّ هَذَا الْحُكْمَ عَامٌّ فِي حَقِّ الْكَافِرِ وَالْمُؤْمِنِ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ هَذَا الْمَعْنَى مِنَ اللَّهِ تَعَالَى دَالًّا عَلَى فَضِيلَةِ الْإِنْسَانِ فَلِأَنْ لَا يَدُلَّ مِنَ النَّبِيِّ عَلَى فَضِيلَةِ الْإِنْسَانِ كَانَ أَوْلَى.

وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا تَعَسُّفٌ بَارِدٌ، لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَاكَ كَوْنُهُ تَعَالَى مَعَ الْكُلِّ بِالْعِلْمِ وَالتَّدْبِيرِ، وَكَوْنُهُ مُطَّلِعًا على ضمير كل أحد، أما هاهنا فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ثانِيَ اثْنَيْنِ تَخْصِيصُهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فِي مَعْرِضِ التَّعْظِيمِ وَأَيْضًا قَدْ دَلَّلْنَا بِالْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى أَنَّ كَوْنَهُ مَعَهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ دَلِيلٌ قَاطِعٌ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَاطِعًا بِأَنَّ بَاطِنَهُ كَظَاهِرِهِ، فَأَيْنَ أَحَدُ الْجَانِبَيْنِ مِنَ الْآخَرِ؟

وَالْوَجْهُ الْخَامِسُ: مِنَ التَّمَسُّكِ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَا

جَاءَ فِي الْأَخْبَارِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا حَزِنَ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا؟

وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا مَنْصِبٌ عَلِيٌّ، وَدَرَجَةٌ رَفِيعَةٌ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّوَافِضَ فِي الدِّينِ كَانُوا إِذَا حَلَفُوا قَالُوا: وَحَقِّ خَمْسَةٍ سَادِسُهُمْ جِبْرِيلُ، وَأَرَادُوا بِهِ أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلِيًّا، وَفَاطِمَةَ، وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ، كَانُوا قَدِ احْتَجَبُوا تَحْتَ/ عَبَاءَةٍ يَوْمَ الْمُبَاهَلَةِ، فَجَاءَ جِبْرِيلُ وَجَعَلَ نَفْسَهُ سَادِسًا لَهُمْ، فَذَكَرُوا لِلشَّيْخِ الْإِمَامِ الْوَالِدِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْقَوْمَ هَكَذَا يَقُولُونَ، فَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ:

لَكُمْ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ

بِقَوْلِهِ: «مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا»

وَمِنَ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ هَذَا أَفْضَلُ وَأَكْمَلُ.

وَالْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنَّهُ تَعَالَى وَصَفَ أَبَا بَكْرٍ بِكَوْنِهِ صَاحِبًا لِلرَّسُولِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ الْفَضْلِ. قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ فُضَيْلٍ الْبَجَلِيُّ: مَنْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ أَبُو بَكْرٍ صَاحِبَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ كَافِرًا، لِأَنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ هُوَ أَبُو بَكْرٍ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَهُ بِكَوْنِهِ صَاحِبًا لَهُ، اعْتَرَضُوا وَقَالُوا: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ الْكَافِرَ بِكَوْنِهِ صَاحِبًا لِلْمُؤْمِنِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ [الْكَهْفِ: ٣٧] .

وَالْجَوَابُ: أَنَّ هُنَاكَ وَإِنْ وَصَفَهُ بِكَوْنِهِ صَاحِبًا لَهُ ذِكْرًا إِلَّا أَنَّهُ أَرْدَفَهُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِهَانَةِ وَالْإِذْلَالِ، وهو قوله: أَكَفَرْتَ أما هاهنا فَبَعْدَ أَنْ وَصَفَهُ بِكَوْنِهِ صَاحِبًا لَهُ، ذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِجْلَالِ وَالتَّعْظِيمِ وَهُوَ قَوْلُهُ: لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَيُّ مُنَاسَبَةٍ بَيْنَ الْبَابَيْنِ لَوْلَا فَرْطُ الْعَدَاوَةِ؟

وَالْوَجْهُ السَّابِعُ: فِي دَلَالَةِ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى فَضْلِ أَبِي بَكْرٍ. قَوْلُهُ: لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذِهِ الْمَعِيَّةِ، الْمَعِيَّةُ بِالْحِفْظِ وَالنُّصْرَةِ وَالْحِرَاسَةِ وَالْمَعُونَةِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ شَرَكَ بَيْنَ نَفْسِهِ وَبَيْنَ أَبِي بَكْرٍ فِي هَذِهِ الْمَعِيَّةِ، فَإِنْ حَمَلُوا هَذِهِ الْمَعِيَّةَ عَلَى وَجْهٍ فَاسِدٍ، لَزِمَهُمْ إِدْخَالُ الرَّسُولِ فِيهِ، وَإِنْ حَمَلُوهَا عَلَى مَحْمَلِ رَفِيعٍ شَرِيفٍ، لَزِمَهُمْ إِدْخَالُ أَبِي بَكْرٍ فِيهِ، وَنَقُولُ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى، دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ اللَّهُ مَعَهُ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ اللَّهُ مَعَهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ مِنَ الْمُتَّقِينَ الْمُحْسِنِينَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ [النَّحْلِ: ١٢٨] وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْحُصْرُ، وَالْمَعْنَى: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا لَا مَعَ غَيْرِهِمْ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ مِنَ الْمُتَّقِينَ الْمُحْسِنِينَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>