عَلَيْكَ؟ فَقَالَ عَلَى وَجْهِ التَّعْلِيمِ قُولُوا: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ»
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ فِي آلِ مُحَمَّدٍ نَبِيٌّ، فَيَتَنَاوَلُ عَلِيًّا ذَلِكَ كَمَا يَجُوزُ مِثْلُهُ فِي آلِ إِبْرَاهِيمَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: كُنْتُ قَدْ ذَكَرْتُ لِطَائِفَ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ وَهِيَ غَيْرُ لَائِقَةٍ بِهَذَا الْمَوْضِعِ إِلَّا أني رأيت أن أكتبها هاهنا لِئَلَّا تَضِيعَ، فَقُلْتُ: إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِغَيْرِهِ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ. فَقَوْلُهُ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ مُبْتَدَأٌ وَهُوَ نَكِرَةٌ، وَزَعَمُوا أَنَّ جَعْلَ النَّكِرَةِ مُبْتَدَأٌ لَا يَجُوزُ، قَالُوا لِأَنَّ الْإِخْبَارَ إِنَّمَا يُفِيدُ إِذَا أَخْبَرَ عَلَى الْمَعْلُومِ بِأَمْرٍ غَيْرِ مَعْلُومٍ، إِلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: النَّكِرَةُ إِذَا كَانَتْ مَوْصُوفَةً حَسُنَ جَعْلُهَا مُبْتَدَأً كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ [الْبَقَرَةِ: ٢٢١] .
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَهَهُنَا وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ التَّنْكِيرَ يَدُلُّ عَلَى الْكَمَالِ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ [الْبَقَرَةِ: ٩٦] وَالْمَعْنَى: وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ دَائِمَةٍ كَامِلَةٍ غَيْرِ مُنْقَطِعَةٍ.
إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَقَوْلُهُ: «سَلَامٌ» لَفْظَةٌ مُنَكَّرَةٌ، فَكَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ سَلَامٌ كَامِلٌ تَامٌّ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ: فَقَدْ صَارَتْ هَذِهِ النَّكِرَةُ مَوْصُوفَةً، فَصَحَّ جَعْلُهَا مُبْتَدَأً، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَحِينَئِذٍ يَحْصُلُ الْخَبَرُ وَهُوَ قَوْلُهُ: «عَلَيْكُمْ» وَالتَّقْدِيرُ:
سَلَامٌ كَامِلٌ تَامٌّ عَلَيْكُمْ. وَالثَّانِي: أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ: «عَلَيْكُمْ» صِفَةً لِقَوْلِهِ: «سَلَامٌ» فَيَكُونُ مَجْمُوعُ قَوْلِهِ: «سَلَامٌ عَلَيْكُمْ» مُبْتَدَأً وَيُضْمَرُ لَهُ خَبَرٌ، وَالتَّقْدِيرُ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ وَاقِعٌ كَائِنٌ حَاصِلٌ، وَرُبَّمَا كَانَ حَذْفُ الْخَبَرِ أَدَلَّ عَلَى التَّهْوِيلِ وَالتَّفْخِيمِ.
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: إِنَّهُ عِنْدَ الْجَوَابِ يُقْلَبُ هَذَا التَّرْتِيبُ فَيُقَالُ وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ، وَالسَّبَبُ فِيهِ مَا قَالَهُ سِيبَوَيْهِ إِنَّهُمْ يُقَدِّمُونَ الْأَهَمَّ وَالَّذِي هُمْ بِشَأْنِهِ أَعَنَى، فَلَمَّا قَالَ وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ دَلَّ عَلَى أَنَّ اهْتِمَامَ هَذَا الْمُجِيبِ بِشَأْنِ ذَلِكَ الْقَائِلِ شَدِيدٌ كَامِلٌ، وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ: «وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ» يُفِيدُ الْحَصْرَ، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ إِنْ كُنْتَ قَدْ أَوْصَلْتَ السَّلَامَ إِلَيَّ فَأَنَا أَزِيدُ عَلَيْهِ وَأَجْعَلُ السَّلَامَ مُخْتَصًّا بِكَ وَمَحْصُورًا فِيكَ امْتِثَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها [النِّسَاءِ: ٨٦] وَمِنْ لَطَائِفِ قَوْلِهِ: «سَلَامٌ عَلَيْكُمْ» أَنَّهَا أَكْمَلُ مِنْ قَوْلِهِ: «السَّلَامُ عَلَيْكَ» وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ: «سَلَامٌ عَلَيْكَ» مَعْنَاهُ: سَلَامٌ كَامِلٌ/ تَامٌّ شَرِيفٌ رَفِيعٌ عَلَيْكَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ، فَالسَّلَامُ لَفْظٌ مُفْرَدٌ مُحَلَّى بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ، وَأَنَّهُ لَا يُفِيدُ إِلَّا أَصْلَ الْمَاهِيَّةِ، وَاللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى أَصْلِ الْمَاهِيَّةِ لَا إِشْعَارَ فِيهِ بِالْأَحْوَالِ الْعَارِضَةِ لِلْمَاهِيَّةِ وَبِكِمَالَاتِ الْمَاهِيَّةِ، فَكَانَ قَوْلُهُ: «سَلَامٌ عَلَيْكَ» أَكْمَلَ مِنْ قَوْلِهِ: «السَّلَامُ عَلَيْكَ» وَمِمَّا يُؤَكِّدُ هَذَا الْمَعْنَى أَنَّهُ أَيْنَمَا جَاءَ لَفْظُ «السَّلَامِ» مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَرَدَ عَلَى سَبِيلِ التَّنْكِيرِ، كَقَوْلِهِ: وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ [الْأَنْعَامِ: ٥٤] وَقَوْلِهِ: قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى [النَّمْلِ: ٥٩] وَفِي الْقُرْآنِ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ كَثِيرٌ. أَمَّا لَفْظُ «السَّلَامِ» بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ، فَإِنَّمَا جَاءَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، كَقَوْلِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى [طه:
٤٧] وَأَمَّا فِي سُورَةِ مَرْيَمَ فَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ يَحْيَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ
[مَرْيَمَ: ١٥] وَهَذَا السَّلَامُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي قِصَّةِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ [مَرْيَمَ:
٣٣] وَهَذَا كَلَامُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ. فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْوُجُوهِ أَنَّ قَوْلَهُ: «سَلَامٌ عَلَيْكَ» أَكْمَلُ مِنْ قَوْلِهِ: «السَّلَامُ عَلَيْكَ» فَلِهَذَا السَّبَبِ اخْتَارَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ قَوْلَهُ: سَلَامٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ عَلَى سَبِيلِ التَّنْكِيرِ، وَمِنْ لَطَائِفِ السَّلَامِ أَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْعَالَمَ مَعْدِنُ الشُّرُورِ وَالْآفَاتِ وَالْمِحَنِ وَالْمُخَالَفَاتِ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ الْبَاحِثُونَ