السُّؤَالُ، وَإِنْ لَمْ يُطَابِقْ كَانَ كَذِبًا، وَلَزِمَ فَسَادُ الْحَدِّ، وَثَالِثُهَا: أَنَّا إِذَا قُلْنَا: كَانَ اللَّهُ مَوْجُودًا فِي الْأَزَلِ، فَهَذَا يَقْتَضِي كَوْنَ اللَّهِ زَمَانِيًّا، وَهُوَ مُحَالٌ، وَرَابِعُهَا أَنَّهُ يَنْتَقِضُ بِالْأَفْعَالِ النَّاقِصَةِ، فَإِنَّ كَانَ النَّاقِصَةَ إِمَّا أَنْ تَدُلَّ عَلَى وُقُوعِ حَدَثٍ فِي زَمَانٍ أَوْ لَا تَدُلَّ: فَإِنْ دَلَّتْ كَانَ تَامًّا لَا نَاقِصًا، لِأَنَّهُ مَتَى دَلَّ اللَّفْظُ عَلَى حُصُولِ حَدَثٍ فِي زَمَانٍ مُعَيَّنٍ كَانَ هَذَا كَلَامًا تَامًّا لَا نَاقِصًا، وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ وَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ فِعْلًا، وَخَامِسُهَا أَنَّهُ يَبْطُلُ بِأَسْمَاءِ الْأَفْعَالِ، فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَلْفَاظٍ دَالَّةٍ عَلَى الزَّمَانِ الْمُعَيَّنِ، وَالدَّالُّ عَلَى الدَّالِّ عَلَى الشَّيْءِ دَالٌّ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ فَهَذِهِ الْأَسْمَاءُ دَالَّةٌ عَلَى الزَّمَانِ الْمُعَيَّنِ، وَسَادِسُهَا أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ يَتَنَاوَلُ إِمَّا الْحَالَ وَإِمَّا الِاسْتِقْبَالَ وَلَا يَتَنَاوَلُ الْمَاضِيَ أَلْبَتَّةَ، فَهُوَ دَالٌّ عَلَى الزَّمَانِ الْمُعَيَّنِ، وَالْجَوَابُ أَمَّا السُّؤَالَاتُ الْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورَةُ عَلَى قَوْلِنَا: «الْفِعْلُ يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْمَصْدَرِ لِشَيْءٍ» والثلاثة المذكورة على قولنا/ «الفعل يدل على الزَّمَانُ» فَجَوَابُهَا أَنَّ اللُّغَوِيَّ يَكْفِي فِي عِلْمِهِ تَصَوُّرُ الْمَفْهُومِ، سَوَاءٌ كَانَ حَقًّا أَوْ بَاطِلًا، وَأَمَّا قَوْلُهُ: «يُشْكِلُ هَذَا الْحَدُّ بِالْأَفْعَالِ النَّاقِصَةِ» قُلْنَا: الَّذِي أَقُولُ بِهِ وَأَذْهَبُ إِلَيْهِ أَنَّ لَفْظَةَ كَانَ تَامَّةٌ مُطْلَقًا، إِلَّا أَنَّ الِاسْمَ الذي يسند إِلَيْهِ لَفْظُ كَانَ قَدْ يَكُونُ مَاهِيَّةً مُفْرَدَةً مُسْتَقِلَّةً بِنَفْسِهَا مِثْلَ قَوْلِنَا: كَانَ الشَّيْءُ، بِمَعْنَى حَدَثَ وَحَصَلَ، وَقَدْ تَكُونُ تِلْكَ الْمَاهِيَّةُ عِبَارَةً عَنْ مَوْصُوفِيَّةِ شَيْءٍ لِشَيْءٍ آخَرَ مِثْلَ قَوْلِنَا: كَانَ زَيْدٌ مُنْطَلِقًا، فَإِنَّ مَعْنَاهُ حُدُوثُ مَوْصُوفِيَّةِ زيد بالانطلاق فلفظ كان هاهنا مَعْنَاهُ أَيْضًا الْحُدُوثُ وَالْوُقُوعُ، إِلَّا أَنَّ هَذِهِ الْمَاهِيَّةَ لَمَّا كَانَتْ مِنْ بَابِ النَّسَبِ، وَالنِّسْبَةُ يَمْتَنِعُ ذِكْرُهَا إِلَّا بَعْدَ ذِكْرِ الْمُنْتَسِبِينَ، لَا جرم وجب ذكرهما هاهنا، فَكَمَا أَنَّ قَوْلَنَا: كَانَ زَيْدٌ، مَعْنَاهُ أَنَّهُ حَصَلَ وَوُجِدَ، فَكَذَا قَوْلُنَا: كَانَ زَيْدٌ مُنْطَلِقًا، مَعْنَاهُ أَنَّهُ حَصَلَتْ مَوْصُوفِيَّةُ زَيْدٍ بِالِانْطِلَاقِ، وَهَذَا بحث عميق عجيب دَقِيقٌ غَفَلَ الْأَوَّلُونَ عَنْهُ، وَقَوْلُهُ: «خَامِسًا: يَبْطُلُ مَا ذَكَرْتُمْ بِأَسْمَاءِ الْأَفْعَالِ» قُلْنَا الْمُعْتَبَرُ فِي كَوْنِ اللَّفْظِ فِعْلًا دَلَالَتُهُ عَلَى الزَّمَانِ ابْتِدَاءً لَا بِوَاسِطَةٍ، وَقَوْلُهُ: «سَادِسًا: اسْمُ الْفَاعِلِ مُخْتَصٌّ بِالْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ» قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ، بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ قَالُوا: إِذَا كَانَ بِمَعْنَى الْمَاضِي لَمْ يَعْمَلْ عَمَلَ الْفِعْلِ، وَإِذَا كَانَ بِمَعْنَى الْحَالِ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلَ الْفِعْلِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: الْكَلِمَةُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهَا مُسْتَقِلًّا بِالْمَعْلُومِيَّةِ، أَوْ لَا يَكُونَ، وَهَذَا الْأَخِيرُ هُوَ الْحَرْفُ، فَامْتِيَازُ الْحَرْفِ عَنِ الِاسْمِ وَالْفِعْلِ بِقَيْدٍ عَدَمِيٍّ، ثُمَّ نَقُولُ: وَالْمُسْتَقِلُّ بِالْمَعْلُومِيَّةِ إِمَّا أَنْ يَدُلَّ عَلَى الزَّمَانِ الْمُعَيَّنِ لِذَلِكَ الْمُسَمَّى، أَوْ لَا يَدُلَّ، وَالَّذِي لَا يَدُلُّ هُوَ الِاسْمُ، فَامْتَازَ الِاسْمُ عَنِ الْفِعْلِ بِقَيْدٍ عَدَمِيٍّ، وَأَمَّا الْفِعْلُ فَإِنَّ مَاهِيَّتَهُ متركبة من القيود الوجودية.
هل يدل الفعل على الفاعل المبهم المسألة التاسعة [هل يدل الفعل على الفاعل المبهم] : إِذَا قُلْنَا: ضَرَبَ، فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى صُدُورِ الضَّرْبِ عَنْ شَيْءٍ مَا إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ غَيْرُ مَذْكُورٍ عَلَى التَّعْيِينِ، بِحَسَبِ هَذَا اللَّفْظِ، فَإِنْ قَالُوا: هَذَا مُحَالٌ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَتْ صِيغَةُ الْفِعْلِ وَحْدَهَا مُحْتَمِلَةً لِلتَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ، الثَّانِي أَنَّهَا لَوْ دَلَّتْ عَلَى اسْتِنَادِ الضَّرْبِ إِلَى شَيْءٍ مُبْهَمٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَجَبَ أَنْ يَمْتَنِعَ إِسْنَادُهُ إِلَى شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، وَإِلَّا لَزِمَ التَّنَاقُضُ، وَلَوْ دَلَّتْ عَلَى اسْتِنَادِ الضَّرْبِ إِلَى شَيْءٍ مُعَيَّنٍ فَهُوَ بَاطِلٌ، لِأَنَّا نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ مُجَرَّدَ قَوْلِنَا ضَرَبَ مَا وُضِعَ لِاسْتِنَادِ الضَّرْبِ إِلَى زَيْدٍ بِعَيْنِهِ أَوْ عَمْرٍو بِعَيْنِهِ، وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَيْنِ السُّؤَالَيْنِ بِجَوَابٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنَّ ضَرَبَ صِيغَةٌ غَيْرُ مَوْضُوعَةٍ لِإِسْنَادِ الضَّرْبِ إِلَى شَيْءٍ مُبْهَمٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، بَلْ وُضِعَتْ لِإِسْنَادِهِ إِلَى شَيْءٍ مُعَيَّنٍ يَذْكُرُهُ ذَلِكَ الْقَائِلُ فَقَبْلَ أَنْ يَذْكُرَهُ الْقَائِلُ لَا يَكُونُ الْكَلَامُ تَامًّا وَلَا مُحْتَمِلًا لِلتَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَالسُّؤَالُ زَائِلٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute