للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَإِنَّ الْأَمْطَارَ إِنَّمَا تَتَوَلَّدُ مِنْ أَبْخِرَةٍ تَرْتَفِعُ مِنَ الْأَرْضِ وَتَتَصَاعَدُ إِلَى الطَّبَقَةِ الْبَارِدَةِ مِنَ الْهَوَاءِ فَتَجْتَمِعُ هُنَاكَ بِسَبَبِ الْبَرْدِ وَتَنْزِلُ بَعْدَ اجْتِمَاعِهَا وَذَلِكَ هُوَ الْمَطَرُ. وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ السَّمَاءَ إِنَّمَا سُمِّيَتْ سَمَاءً لِسُمُوِّهَا فَكُلُّ مَا سَمَاكَ فَهُوَ سَمَاءٌ فَإِذَا نَزَلَ مِنَ السَّحَابِ فَقَدْ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ وَثَانِيهَا:

أَنَّ الْمُحَرِّكَ لِإِثَارَةِ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ الرَّطْبَةِ مِنْ عمق الأرض الأجزاء الرطبة أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً وَثَالِثُهَا: أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ هُوَ الصِّدْقُ وَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ تَعَالَى يُنَزِّلُ الْمَطَرَ مِنَ السَّمَاءِ، فَإِذَا عَلِمْنَا أَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ يَنْزِلُ مِنَ السَّحَابِ فَيَجِبُ أَنْ يُقَالَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى السَّحَابِ، وَمِنَ السَّحَابِ إِلَى الْأَرْضِ. السُّؤَالُ الرَّابِعُ: مَا مَعْنَى مِنْ فِي قَوْلِهِ:

مِنَ الثَّمَراتِ الْجَوَابُ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: التَّبْعِيضُ لِأَنَّ الْمُنَكَّرَيْنِ أَعْنِي مَاءً وَرِزْقًا يَكْتَنِفَانِهِ وَقَدْ قُصِدَ بِتَنْكِيرِهِمَا مَعْنَى الْبَعْضِيَّةِ فَكَأَنَّهُ قِيلَ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ بَعْضَ الْمَاءِ فَأَخْرَجْنَا بِهِ بَعْضَ الثَّمَرَاتِ لِيَكُونَ بَعْضَ رِزْقِكُمْ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ لِلْبَيَانِ كَقَوْلِكَ أَنْفَقْتُ مِنَ الدَّرَاهِمِ إِنْفَاقًا، فَإِنْ قِيلَ فَبِمَ انْتَصَبَ رِزْقًا؟ قُلْنَا إِنْ كَانَ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ كَانَ انْتِصَابُهُ بِأَنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ. وَإِنْ كَانَتْ مُبَيِّنَةً كَانَ مَفْعُولًا لأخرج. السُّؤَالُ الْخَامِسُ: الثَّمَرُ الْمُخْرَجُ بِمَاءِ السَّمَاءِ كَثِيرٌ، فَلِمَ قِيلَ الثَّمَرَاتِ دُونَ الثَّمَرِ أَوِ الثِّمَارِ؟ الْجَوَابُ: تَنْبِيهًا عَلَى قِلَّةِ ثِمَارِ الدُّنْيَا وَإِشْعَارًا بِتَعْظِيمِ أَمْرِ الْآخِرَةِ وَاللَّهِ أَعْلَمُ.

أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ فَفِيهِ سُؤَالَاتٌ: السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: بِمَ تَعَلَّقَ قَوْلُهُ:

فَلا تَجْعَلُوا الْجَوَابُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْأَمْرِ، أَيِ اعْبُدُوا فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا فَإِنَّ أَصْلَ الْعِبَادَةِ وَأَسَاسَهَا التَّوْحِيدُ. وثانيها: بلعل، والمعنى خلقكم لكي تنقوا وَتَخَافُوا عِقَابَهُ فَلَا تُثْبِتُوا لَهُ نِدًّا فَإِنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ مُوجِبَاتِ الْعِقَابِ. وَثَالِثُهَا: بِقَوْلِهِ: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً أَيْ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ هَذِهِ الدَّلَائِلَ الْبَاهِرَةَ فَلَا تَتَّخِذُوا لَهُ شُرَكَاءَ السُّؤَالُ الثَّانِي: مَا النِّدُّ؟ الْجَوَابُ: أَنَّهُ الْمِثْلُ الْمُنَازِعُ وَنَادَدْتُ الرَّجُلَ نَافَرْتُهُ مِنْ نَدَّ نُدُودًا إِذَا نَفَرَ كَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ النِّدَّيْنِ يُنَادُّ صَاحِبَهُ أَيْ يُنَافِرُهُ وَيُعَانِدُهُ، فَإِنْ قِيلَ إِنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا إِنَّ الْأَصْنَامَ/ تُنَازِعُ اللَّهَ. قُلْنَا لَمَّا عَبَدُوهَا وَسَمَّوْهَا آلِهَةً أَشْبَهَتْ حَالُهُمْ حَالَ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّهَا آلِهَةٌ قَادِرَةٌ عَلَى مُنَازَعَتِهِ فَقِيلَ لَهُمْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّهَكُّمِ وَكَمَا تَهَكَّمَ بِلَفْظِ النِّدِّ شَنَّعَ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ جَعَلُوا أَنْدَادًا كَثِيرَةً لِمَنْ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ لَهُ نِدٌّ قَطُّ، وَقَرَأَ مُحَمَّدُ بْنُ السَّمَيْفَعِ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ نِدًّا. السُّؤَالُ الثَّالِثُ: مَا مَعْنَى وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ الْجَوَابُ: مَعْنَاهُ إِنَّكُمْ لِكَمَالِ عُقُولِكُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا يَصِحُّ جَعْلُهَا أَنْدَادًا لِلَّهِ تَعَالَى، فَلَا تَقُولُوا ذَلِكَ فَإِنَّ الْقَوْلَ الْقَبِيحَ مِمَّنْ علم قبحه يكون أقبح وهاهنا مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْعَالَمِ أَحَدٌ يُثْبِتُ لِلَّهِ شَرِيكًا يُسَاوِيهِ فِي الْوُجُودِ وَالْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ، وَهَذَا مِمَّا لَمْ يُوجَدْ إِلَى الْآنِ لَكِنَّ الثَّنَوِيَّةَ يُثْبِتُونَ إِلَهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: حَلِيمٌ يَفْعَلُ الْخَيْرَ وَالثَّانِي: سَفِيهٌ يَفْعَلُ الشَّرَّ، وَأَمَّا اتِّخَاذُ مَعْبُودٍ سِوَى اللَّهِ تَعَالَى فَفِي الذَّاهِبِينَ إِلَى ذَلِكَ كَثْرَةٌ، الْفَرِيقُ الْأَوَّلُ: عَبْدَةُ الْكَوَاكِبِ وَهُمُ الصَّابِئَةُ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ هَذِهِ الْكَوَاكِبَ، وَهَذِهِ الْكَوَاكِبُ هِيَ الْمُدَبِّرَاتُ لِهَذَا الْعَالَمِ، قَالُوا فَيَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْبُدَ الْكَوَاكِبَ، وَالْكَوَاكِبُ تَعْبُدُ اللَّهَ تَعَالَى. وَالْفَرِيقُ الثَّانِي: النَّصَارَى الَّذِينَ يَعْبُدُونَ الْمَسِيحَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَالْفَرِيقُ الثَّالِثُ: عَبْدَةُ الْأَوْثَانِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا دِينَ أَقْدَمَ مِنْ دِينِ عَبْدَةِ الْأَوْثَانِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ أَقْدَمَ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ نُقِلَ إِلَيْنَا تَارِيخُهُمْ هُوَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهُوَ إِنَّمَا جَاءَ بِالرَّدِّ عَلَيْهِمْ عَلَى مَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ قَوْمِهِ فِي قَوْلِهِ: وَقالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً [نُوحٍ: ٢٣] فَعَلِمْنَا أَنَّ