يَكُنْ بَعْضُ أَجْزَاءِ الْبَاقِي أَنْ يَزُولَ بِهِ أَوْلَى مِنْ سَائِرِ الْأَجْزَاءِ فَإِمَّا أَنْ يَزُولَ الْكُلُّ وَهُوَ مُحَالٌ، لِأَنَّ الزَّائِلَ لَا يَزُولُ إِلَّا بِالنَّاقِصِ. أَوْ يَتَعَيَّنَ الْبَعْضُ لِلزَّوَالِ مِنْ غَيْرِ مُخَصِّصٍ، وَهُوَ مُحَالٌ، أَوْ لَا يَزُولَ شَيْءٌ مِنْهَا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَأَيْضًا فَهَذَا الطَّارِئُ إِذَا أَزَالَ بَعْضَ أَجْزَاءِ الْبَاقِي فَإِمَّا أَنْ يَبْقَى الطَّارِئُ، أَوْ يَزُولَ. أَمَّا الْقَوْلُ بِبَقَاءِ الطَّارِئِ فَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الْعُقَلَاءِ. وَأَمَّا الْقَوْلُ بِزَوَالِهِ فَبَاطِلٌ، لِأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ تَأْثِيرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي إِزَالَةِ الْآخَرِ مَعًا أَوْ عَلَى التَّرْتِيبِ، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْمُزِيلَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا حَالَ الْإِزَالَةِ، فَلَوْ وُجِدَ الزَّوَالَانِ مَعًا لَوُجِدَ الْمُزِيلَانِ مَعًا، فَيَلْزَمُ أَنْ يُوجَدَا حَالَ مَا عُدِمَا وَهُوَ مُحَالٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى التَّرْتِيبِ فَالْمَغْلُوبُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَنْقَلِبَ غَالِبًا، وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْمُتَقَدِّمُ أَقَلَّ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُؤَثِّرُ فِي زَوَالِهِ بَعْضَ أَجْزَاءِ الطَّارِئِ، وَذَلِكَ مُحَالٌ لِأَنَّ جَمِيعَ أَجْزَائِهِ صَالِحٌ لِلْإِزَالَةِ، وَاخْتِصَاصُ الْبَعْضِ بِذَلِكَ تَرْجِيحٌ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ وَهُوَ مُحَالٌ، وَإِمَّا أَنْ يَصِيرَ الْكُلُّ مُؤَثِّرًا فِي الْإِزَالَةِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَجْتَمِعَ عَلَى الْمَعْلُولِ الْوَاحِدِ عِلَلٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَذَلِكَ مُحَالٌ، فَقَدْ ثَبَتَ بِهَذِهِ الْوُجُوهِ الْعَقْلِيَّةِ فَسَادُ الْقَوْلِ بِالْإِحْبَاطِ، وَعِنْدَ هَذَا تَعَيَّنَ فِي الْجَوَابِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: قَوْلُ مَنِ اعْتَبَرَ الْمُوَافَاةَ، وَهُوَ أَنَّ شَرْطَ حُصُولِ الْإِيمَانِ أَنْ لَا يَمُوتَ عَلَى الْكُفْرِ فَلَوْ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ عَلِمْنَا أَنَّ مَا أَتَى بِهِ أَوَّلًا كَانَ كُفْرًا وَهَذَا قَوْلٌ ظَاهِرُ السُّقُوطِ، الثَّانِي: أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى الطَّاعَةِ ثَوَابًا وَلَا عَلَى الْمَعْصِيَةِ عِقَابًا اسْتِحْقَاقًا عَقْلِيًّا وَاجِبًا، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَاخْتِيَارُنَا، وَبِهِ يَحْصُلُ الْخَلَاصُ مِنْ هَذِهِ الظُّلُمَاتِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: احْتَجَّ الْمُعْتَزِلَةُ عَلَى أَنَّ الطَّاعَةَ تُوجِبُ الثَّوَابَ فَإِنَّ فِي حَالِ مَا بَشَّرَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ لَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ لَهُمْ عَلَى طَرِيقِ الْوُقُوعِ، وَلَمَّا لَمْ يُمْكِنْ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَيْهِ وَجَبَ حَمْلُهَا عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْوُقُوعِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ التَّعْبِيرُ بِالْوُقُوعِ عَنِ اسْتِحْقَاقِ الْوُقُوعِ مَجَازًا.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: الْجَنَّةُ: الْبُسْتَانُ مِنَ النَّخْلِ وَالشَّجَرِ الْمُتَكَاثِفِ الْمُظَلِّلِ بِالْتِفَافِ أَغْصَانِهِ وَالتَّرْكِيبُ دَائِرٌ عَلَى مَعْنَى السِّتْرِ وَكَأَنَّهَا لِتَكَاثُفِهَا وَتَظْلِيلِهَا سُمِّيَتْ بِالْجَنَّةِ الَّتِي هِيَ الْمَرَّةُ مِنْ مَصْدَرِ جَنَّهَ إِذَا سَتَرَهُ كَأَنَّهَا سُتْرَةٌ وَاحِدَةٌ لِفَرْطِ الْتِفَافِهَا وَسُمِّيَتْ دَارُ الثَّوَابِ جَنَّةً لِمَا فِيهَا مِنَ الْجِنَانِ، فَإِنْ قِيلَ لِمَ نُكِّرَتِ الْجَنَّاتُ وَعُرِّفَتِ الْأَنْهَارُ؟
الْجَوَابُ: أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْجَنَّةَ اسْمٌ لِدَارِ الثَّوَابِ كُلِّهَا وَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى جَنَّاتٍ كَثِيرَةٍ مُرَتَّبَةٍ مَرَاتِبَ عَلَى حَسَبِ اسْتِحْقَاقَاتِ الْعَامِلِينَ لِكُلِّ طَبَقَةٍ مِنْهُمْ جَنَّاتٌ مِنْ تِلْكَ الْجَنَّاتِ، وَأَمَّا تَعْرِيفُ الْأَنْهَارِ فَالْمُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ كَمَا يُقَالُ لِفُلَانٍ بُسْتَانٌ فِيهِ الْمَاءُ الْجَارِي وَالتِّينُ وَالْعِنَبُ يُشِيرُ إِلَى الْأَجْنَاسِ الَّتِي فِي عِلْمِ الْمُخَاطَبِ، أَوْ يُشَارُ بِاللَّامِ إِلَى الْأَنْهَارِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ: فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ [مُحَمَّدٍ: ١٥] وَأَمَّا قَوْلُهُ: كُلَّما رُزِقُوا فَهَذَا لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ صِفَةً ثَانِيَةً لِجَنَّاتٍ. أَوْ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَوْ جُمْلَةً مُسْتَأْنَفَةً لِأَنَّهُ لَمَّا/ قِيلَ: إِنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ لَمْ يَخْلُ قَلْبُ السَّامِعِ أَنْ يَقَعَ فِيهِ أَنَّ ثِمَارَ تِلْكَ الْجَنَّاتِ أشباه ثمار الدنيا أم لا؟
وهاهنا سؤالات: السؤال الأول: ما وقع مِنْ ثَمَرَةٍ؟ الْجَوَابُ فِيهِ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: هُوَ كَقَوْلِكَ كُلَّمَا أَكَلْتُ مِنْ بُسْتَانِكَ مِنَ الرُّمَّانِ شَيْئًا حَمِدْتُكَ فَمَوْقِعُ مِنْ ثَمَرَةٍ مَوْقِعُ قَوْلِكَ من الرمان فمن الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ كِلْتَاهُمَا لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، لِأَنَّ الرِّزْقَ قَدِ ابْتَدَأَ مِنَ الْجَنَّاتِ وَالرِّزْقَ مِنَ الْجَنَّاتِ قَدِ ابْتَدَأَ مِنْ ثَمَرَةٍ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالثَّمَرَةِ التُّفَّاحَةَ الْوَاحِدَةَ أَوِ الرُّمَّانَةَ الْفَرْدَةَ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ النَّوْعُ مِنْ أَنْوَاعِ الثِّمَارِ. الثَّانِي: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِنْ ثَمَرَةٍ بَيَانًا عَلَى مِنْهَاجِ قَوْلِكَ رَأَيْتُ مِنْكَ أَسَدًا تُرِيدُ أَنْتَ أَسَدٌ، وَعَلَى هَذَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِالثَّمَرَةِ النَّوْعُ مِنَ الثَّمَرَةِ أَوِ الْحَبَّةُ الْوَاحِدَةُ. السُّؤَالُ الثَّانِي: كَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَقُولُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا الْآنَ هُوَ الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ، الْجَوَابُ: لَمَّا اتَّحَدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute