للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَوْلُ الثَّانِي: فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي أَنَّهَا السَّبْعُ الطِّوَالُ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَمُجَاهِدٍ وَهِيَ: الْبَقَرَةُ، وَآلُ عِمْرَانَ، وَالنِّسَاءُ، وَالْمَائِدَةُ، وَالْأَنْعَامُ، وَالْأَعْرَافُ، وَالْأَنْفَالُ، وَالتَّوْبَةُ مَعًا. قَالُوا: وَسُمِّيَتْ هَذِهِ السُّوَرُ مَثَانِيَ، لِأَنَّ الْفَرَائِضَ وَالْحُدُودَ وَالْأَمْثَالَ وَالْعِبَرَ ثُنِّيَتْ فِيهَا وَأَنْكَرَ الرَّبِيعُ هَذَا الْقَوْلَ. وَقَالَ هَذِهِ الْآيَةُ مَكِّيَّةٌ وَأَكْثَرُ هَذِهِ السُّوَرِ السَّبْعَةِ مَدَنِيَّةٌ. وَمَا نَزَلَ شَيْءٌ مِنْهَا فِي مَكَّةَ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ حَمْلُ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَيْهَا.

وَأَجَابَ قَوْمٌ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ: بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا. ثُمَّ أَنْزَلَهُ عَلَى نَبِيِّهِ مِنْهَا نُجُومًا، فَلَمَّا أَنْزَلَهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَحَكَمَ بِإِنْزَالِهِ عَلَيْهِ، فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَا آتَاهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ بَعْدُ.

وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إِنَّهُ تَعَالَى قَالَ: وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَهَذَا الْكَلَامُ إِنَّمَا يَصْدُقُ/ إِذَا وَصَلَ ذَلِكَ الشَّيْءُ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَمَّا الَّذِي أَنْزَلَهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَهُوَ لَمْ يَصِلْ بَعْدُ إِلَى مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَهَذَا الْكَلَامُ لَا يَصْدُقُ فِيهِ. وَأما قوله بِأَنَّهُ لَمَّا حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِإِنْزَالِهِ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ ذَلِكَ جَارِيًا مَجْرَى مَا نَزَلَ عَلَيْهِ فَهَذَا أَيْضًا ضَعِيفٌ، لِأَنَّ إِقَامَةَ مَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ مَقَامَ النَّازِلِ عَلَيْهِ مُخَالِفٌ لِلظَّاهِرِ.

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: فِي تَفْسِيرِ السَّبْعِ الْمَثَانِي أَنَّهَا هِيَ السُّوَرُ الَّتِي هِيَ دُونَ الطِّوَالِ وَالْمِئِينَ وَفَوْقَ الْمُفَصَّلِ، وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ قَوْمٌ وَاحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِمَا

رَوَى ثَوْبَانُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ أَعْطَانِي السَّبْعَ الطِّوَالَ مَكَانَ التَّوْرَاةِ، وَأَعْطَانِي الْمِئِينَ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ، وَأَعْطَانِي الْمَثَانِيَ مَكَانَ الزَّبُورِ، وَفَضَّلَنِي رَبِّي بِالْمُفَصَّلِ»

قَالَ الْوَاحِدِيُّ: وَالْقَوْلُ فِي تَسْمِيَةِ هَذِهِ السُّوَرِ مَثَانِي كَالْقَوْلِ فِي تَسْمِيَةِ الطِّوَالِ مَثَانِي. وَأَقُولُ إِنْ صَحَّ هَذَا التَّفْسِيرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا غُبَارَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَهَذَا الْقَوْلُ مُشْكِلٌ، لِأَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ الْمُسَمَّى بِالسَّبْعِ الْمَثَانِي يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ مِنْ سَائِرِ السُّوَرِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ هَذِهِ السُّوَرَ الَّتِي سَمُّوهَا بِالْمَثَانِي لَيْسَتْ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهَا، فَيَمْتَنِعُ حَمْلُ السَّبْعِ الْمَثَانِي عَلَى تِلْكَ السُّوَرِ.

وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: أَنَّ السَّبْعَ الْمَثَانِيَ هُوَ الْقُرْآنُ كُلُّهُ، وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، وَقَوْلِ طَاوُسٍ قَالُوا: وَدَلِيلُ هَذَا الْقَوْلِ قَوْلُهُ تَعَالَى: كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ [الزُّمَرِ: ٢٣] فَوَصَفَ كُلَّ الْقُرْآنِ بِكَوْنِهِ مَثَانِيَ ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِهَذَا الْقَوْلِ فِي أَنَّهُ مَا الْمُرَادُ بِالسَّبْعِ، وَمَا الْمُرَادُ بِالْمَثَانِي؟ أَمَّا السَّبْعُ فَذَكَرَ فِيهِ وُجُوهًا:

أَحَدُهَا: أَنَّ الْقُرْآنَ سَبْعَةُ أَسْبَاعٍ. وَثَانِيهَا: أَنَّ الْقُرْآنَ مُشْتَمِلٌ عَلَى سَبْعَةِ أَنْوَاعٍ مِنَ الْعُلُومِ. التَّوْحِيدُ، وَالنُّبُوَّةُ، وَالْمَعَادُ، وَالْقَضَاءُ، وَالْقَدَرُ، وَأَحْوَالُ الْعَالَمِ، وَالْقَصَصُ، وَالتَّكَالِيفُ. وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَالْخَبَرِ وَالِاسْتِخْبَارِ، وَالنِّدَاءِ، وَالْقَسَمِ، وَالْأَمْثَالِ. وَأَمَّا وَصْفُ كُلِّ الْقُرْآنِ بِالْمَثَانِي، فَلِأَنَّهُ كَرَّرَ فِيهِ دَلَائِلَ التَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ وَالتَّكَالِيفِ، وَهَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ أَيْضًا، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالسَّبْعِ الْمَثَانِي الْقُرْآنَ، لَكَانَ قَوْلُهُ: وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ عَطْفًا لِلشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ، وذلك غير جائز.

وأجيب عنه بأنه إنما حَسُنَ إِدْخَالُ حَرْفِ الْعَطْفِ فِيهِ لِاخْتِلَافِ اللَّفْظَيْنِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:

إِلَى الْمَلِكِ الْقَرْمِ وَابْنِ الْهُمَامِ ... وَلَيْثَ الْكَتِيبَةِ فِي الْمُزْدَحَمِ

وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا وَإِنْ كَانَ جَائِزًا لِأَجْلِ وُرُودِهِ فِي هَذَا الْبَيْتِ، إِلَّا أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ خِلَافُهُ.

وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالسَّبْعِ الْفَاتِحَةَ، لِأَنَّهَا سَبْعُ آيَاتٍ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ بالمثاني كل

<<  <  ج: ص:  >  >>