للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقُرْآنِ وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعَ آيَاتٍ هِيَ الْفَاتِحَةُ وَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَثَانِي الَّذِي هُوَ/ الْقُرْآنُ وَهَذَا الْقَوْلُ عَيْنُ الْأَوَّلِ وَالتَّفَاوُتُ لَيْسَ إِلَّا بِقَلِيلٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

المسألة الثَّانِيَةُ: لَفْظَةُ «مِنْ» فِي قَوْلِهِ: سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي قَالَ الزَّجَّاجُ فِيهَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ لِلتَّبْعِيضِ مِنَ الْقُرْآنِ أَيْ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعَ آيَاتٍ مِنْ جُمْلَةِ الْآيَاتِ الَّتِي يُثْنَى بِهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَآتَيْنَاكَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِنْ صِلَةً، وَالْمَعْنَى: آتَيْنَاكَ سَبْعًا هِيَ الْمَثَانِي كَمَا قَالَ: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ [الْحَجِّ: ٣٠] الْمَعْنَى: اجْتَنِبُوا الْأَوْثَانَ، لَا أَنَّ بَعْضَهَا رِجْسٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

أما قوله تَعَالَى: لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى مَا مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ فَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا عَرَّفَ رَسُولَهُ عِظَمَ نِعَمِهِ عَلَيْهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالدِّينِ، وَهُوَ أَنَّهُ آتَاهُ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ، نَهَاهُ عَنِ الرَّغْبَةِ فِي الدُّنْيَا فَحَظَرَ عَلَيْهِ أَنْ يَمُدَّ عَيْنَيْهِ إِلَيْهَا رَغْبَةً فِيهَا وَفِي مَدِّ الْعَيْنِ أَقْوَالٌ:

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: كَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ إِنَّكَ أُوتِيتَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ فَلَا تَشْغَلْ سِرَّكَ وَخَاطِرَكَ بِالِالْتِفَاتِ إِلَى الدُّنْيَا وَمِنْهُ

الْحَدِيثُ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ»

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَنْ أُوتِيَ الْقُرْآنَ فَرَأَى أَنَّ أَحَدًا أُوتِيَ مِنَ الدُّنْيَا أَفْضَلَ مِمَّا أُوتِيَ فَقَدْ صَغَّرَ عَظِيمًا وَعَظَّمَ صَغِيرًا، وَقِيلَ: وَافَتْ مِنْ بَعْضِ الْبِلَادِ سَبْعُ قَوَافِلَ لِيَهُودِ بَنِي قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ، فِيهَا أَنْوَاعُ الْبَزِّ وَالطِّيبِ وَالْجَوَاهِرِ وَسَائِرِ الْأَمْتِعَةِ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: لَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَمْوَالُ لَنَا لَتَقَوَّيْنَا بِهَا وَلَأَنْفَقْنَاهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لهم: لَقَدْ أَعْطَيْتُكُمْ سَبْعَ آيَاتٍ هِيَ خَيْرٌ مِنْ هَذِهِ الْقَوَافِلِ السَّبْعِ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ أَيْ لَا تَتَمَنَّ مَا فَضَّلْنَا بِهِ أَحَدًا مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا، وَقَرَّرَ الْوَاحِدِيُّ هَذَا الْمَعْنَى فَقَالَ: إِنَّمَا يَكُونُ مَادًّا عَيْنَيْهِ إِلَى الشَّيْءِ إِذَا أَدَامَ النَّظَرَ ونحوه، وَإِدَامَةُ النَّظَرِ إِلَى الشَّيْءِ تَدُلُّ عَلَى اسْتِحْسَانِهِ وَتَمَنِّيهِ، وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنْظُرُ إِلَى مَا يُسْتَحْسَنُ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا،

وَرُوِيَ أَنَّهُ نَظَرَ إِلَى نَعَمِ بَنِي الْمُصْطَلَقِ، وَقَدْ عَبَسَتْ فِي أَبْوَالِهَا وَأَبْعَارِهَا فَتَقَنَّعَ فِي ثَوْبِهِ وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ

وَقَوْلُهُ عَبَسَتْ فِي أَبْوَالِهَا وَأَبْعَارِهَا

هُوَ أَنْ تَجِفَّ أَبْوَالُهَا وَأَبْعَارُهَا عَلَى أَفْخَاذِهَا إِذَا تُرِكَتْ مِنَ الْعَمَلِ أَيَّامَ الرَّبِيعِ فَتَكْثُرُ شُحُومُهَا وَلُحُومُهَا وَهِيَ أَحْسَنُ مَا تَكُونُ.

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ أَيْ لَا تَحْسُدَنَّ أَحَدًا عَلَى مَا أُوتِيَ مِنَ الدُّنْيَا قَالَ الْقَاضِي: هَذَا بَعِيدٌ، لِأَنَّ الْحَسَدَ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ قَبِيحٌ، لِأَنَّهُ إِرَادَةٌ لِزَوَالِ نِعَمِ الْغَيْرِ عَنْهُ، وَذَلِكَ يَجْرِي مَجْرَى الِاعْتِرَاضِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالِاسْتِقْبَاحِ لِحُكْمِهِ وَقَضَائِهِ، وَذَلِكَ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ قَبِيحٌ، فَكَيْفَ يَحْسُنُ تَخْصِيصُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ؟

أما قوله تَعَالَى: أَزْواجاً مِنْهُمْ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ أَيْ أَصْنَافًا مِنَ الْكُفَّارِ، وَالزَّوْجُ فِي اللُّغَةِ الصِّنْفُ/ ثم قال:

وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا فَيَقْوَى بِمَكَانِهِمُ الْإِسْلَامُ وَيَنْتَعِشُ بِهِمُ الْمُؤْمِنُونَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُ: لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى مَا مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ نَهْيٌ لَهُ عَنِ الِالْتِفَاتِ إِلَى أَمْوَالِهِمْ وَقَوْلُهُ: وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ نَهْيٌ لَهُ عَنِ الِالْتِفَاتِ إِلَيْهِمْ وَأَنْ يَحْصُلَ لَهُمْ فِي قَلْبِهِ قَدْرٌ وَوَزْنٌ.

ثم قال: وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ الْخَفْضُ: مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ نَقِيضُ الرَّفْعِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي صِفَةِ الْقِيَامَةِ: خافِضَةٌ رافِعَةٌ [الْوَاقِعَةِ: ٣] أَيْ أَنَّهَا تَخْفِضُ أَهْلَ الْمَعَاصِي، وَتَرْفَعُ أَهْلَ الطَّاعَاتِ، فَالْخَفْضُ مَعْنَاهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>