للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ

[مُحَمَّدٍ: ٤- ٦] وَالْهِدَايَةُ بَعْدَ الْقَتْلِ لَا تَكُونُ إِلَّا إِلَى الْجَنَّةِ، وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ [يُونُسَ: ٩٠] وَهَذَا تَأْوِيلُ الْجُبَّائِيِّ، وَخَامِسُهَا: الْهُدَى بِمَعْنَى التَّقْدِيمِ يُقَالُ هَدَى فُلَانٌ فُلَانًا أَيْ قَدَّمَهُ أَمَامَهُ، وَأَصْلُ هَدَى مِنْ هِدَايَةِ الطَّرِيقِ، لِأَنَّ الدَّلِيلَ يَتَقَدَّمُ الْمَدْلُولَ، وَتَقُولُ الْعَرَبُ أَقْبَلَتْ هَوَادِي الْخَيْلِ. أَيْ مُتَقَدِّمَاتُهَا وَيُقَالُ لِلْعُنُقِ هَادِي وَهَوَادِي الْخَيْلِ أَعْنَاقُهَا لِأَنَّهَا تَتَقَدَّمُهَا، وَسَادِسُهَا: يَهْدِي أَيْ يَحْكُمُ بِأَنَّ الْمُؤْمِنَ مُهْتَدٍ وَتَسْمِيَتُهُ بِذَلِكَ لِأَنَّ حَقِيقَةَ قَوْلِ الْقَائِلِ هَدَاهُ جَعَلَهُ مُهْتَدِيًا، وَهَذَا اللَّفْظُ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْحُكْمِ وَالتَّسْمِيَةِ قَالَ تَعَالَى: مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ [الْمَائِدَةِ: ١٠٣] أَيْ مَا حَكَمَ وَلَا شَرَعَ، وَقَالَ: إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ [آلِ عِمْرَانَ: ٧٣] مَعْنَاهُ أَنَّ الْهُدَى مَا حَكَمَ اللَّهُ بِأَنَّهُ هُدًى وَقَالَ: وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ [الإسراء: ٩٧] أَيْ مَنْ حَكَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْهُدَى فَهُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِأَنْ يُسَمَّى مُهْتَدِيًا فَهَذِهِ هِيَ الْوُجُوهُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُعْتَزِلَةُ: وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَيْهَا فِيمَا تقدم في باب الإضلال. قالت الجبرية:

وهاهنا وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْهُدَى بِمَعْنَى خَلْقِ الْهِدَايَةِ وَالْعِلْمِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [يُونُسَ: ٢٥] قَالَتِ الْقَدَرِيَّةُ هَذَا غَيْرُ جَائِزٍ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي اللُّغَةِ أَنْ يُقَالَ لِمَنْ حَمَلَ غَيْرَهُ عَلَى سُلُوكِ الطَّرِيقِ كَرْهًا وَجَبْرًا أَنَّهُ هَدَاهُ إِلَيْهِ وَإِنَّمَا يُقَالُ رَدَّهُ إِلَى الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ وَحَمَلَهُ عَلَيْهِ وَجَرَّهُ إِلَيْهِ فَأَمَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ هَدَاهُ إِلَيْهِ فَلَا، وَثَانِيهَا: لَوْ حَصَلَ ذَلِكَ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى لَبَطَلَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالْمَدْحُ وَالذَّمُّ وَالثَّوَابُ وَالْعِقَابُ، فَإِنْ قِيلَ هَبْ أَنَّهُ خَلْقُ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا أَنَّهُ كَسْبُ الْعَبْدِ قُلْنَا هَذَا الْكَسْبُ مَدْفُوعٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ وُقُوعَ هَذِهِ الْحَرَكَةِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِتَخْلِيقِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ لَا يَكُونَ بِتَخْلِيقِهِ، فَإِنْ كَانَ بِتَخْلِيقِهِ، فَمَتَى خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى اسْتَحَالَ مِنَ الْعَبْدِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْهُ، وَمَتَى لَمْ يَخْلُقْهُ اسْتَحَالَ مِنَ الْعَبْدِ الْإِتْيَانُ بِهِ، فَحِينَئِذٍ تَتَوَجَّهُ الْإِشْكَالَاتُ الْمَذْكُورَةُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِتَخْلِيقِ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ مِنَ الْعَبْدِ فَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ بِالِاعْتِزَالِ، الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ كَانَ خَلْقًا لِلَّهِ تَعَالَى وَكَسْبًا لِلْعَبْدِ لَمْ يَخْلُ مِنْ أَحَدِ وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ يَخْلُقُهُ أَوَّلًا ثُمَّ يَكْتَسِبُهُ الْعَبْدُ أَوْ يَكْتَسِبُهُ الْعَبْدُ أَوَّلًا ثُمَّ يَخْلُقُهُ اللَّهُ تَعَالَى. أَوْ يَقَعُ الْأَمْرَانِ مَعًا، فَإِنْ خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَانَ الْعَبْدُ مَجْبُورًا عَلَى اكْتِسَابِهِ فَيَعُودُ الْإِلْزَامُ وَإِنِ اكْتَسَبَهُ الْعَبْدُ أَوَّلًا فَاللَّهُ مَجْبُورٌ عَلَى/ خَلْقِهِ، وَإِنْ وَقَعَا مَعًا وَجَبَ أَنْ لَا يَحْصُلَ هَذَا الْأَمْرُ إِلَّا بَعْدَ اتِّفَاقِهِمَا لَكِنَّ هَذَا الِاتِّفَاقَ غَيْرُ مَعْلُومٍ لَنَا فَوَجَبَ أَنْ لَا يَحْصُلَ هَذَا الِاتِّفَاقُ، وَأَيْضًا فَهَذَا الِاتِّفَاقُ وَجَبَ أَنْ لَا يَحْصُلَ إِلَّا بِاتِّفَاقٍ آخَرَ، لِأَنَّهُ مِنْ كَسْبِهِ وَفِعْلِهِ، وَذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ مِنَ الِاتِّفَاقِ وَهُوَ مُحَالٌ هَذَا مَجْمُوعُ كَلَامِ الْمُعْتَزِلَةِ قَالَتِ الجبرية: إنا قد دللنا بدلائل الْعَقْلِيَّةِ الَّتِي لَا تَقْبَلُ الِاحْتِمَالَ، وَالتَّأْوِيلَ عَلَى أَنَّ خَالِقَ هَذِهِ الْأَفْعَالِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، إِمَّا بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ، وَالْوُجُوهُ الَّتِي تَمَسَّكْتُمْ بِهَا وُجُوهٌ نَقْلِيَّةٌ قَابِلَةٌ لِلِاحْتِمَالِ وَالْقَاطِعُ لَا يُعَارِضُهُ الْمُحْتَمَلُ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَى مَا قُلْنَاهُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لِمَ وُصِفَ الْمَهْدِيُّونَ بِالْكَثْرَةِ وَالْقِلَّةُ صِفَتُهُمْ لِقَوْلِهِ: وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ [سَبَأٍ: ١٣] وَقَلِيلٌ مَا هُمْ [ص: ٢٤]

وَلِحَدِيثِ «النَّاسُ كَإِبِلٍ مِائَةٍ لَا تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً»

وَحَدِيثِ «النَّاسُ أخبر قلة» ،

وَالْجَوَابُ: أَهْلُ الْهُدَى كَثِيرٌ فِي أَنْفُسِهِمْ وَحَيْثُ يُوصَفُونَ بِالْقِلَّةِ إِنَّمَا يُوصَفُونَ بِهَا بِالْقِيَاسِ إِلَى أَهْلِ الضَّلَالِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْقَلِيلَ مِنَ الْمَهْدِيِّينَ كَثِيرٌ فِي الْحَقِيقَةِ وَإِنْ قَلُّوا فِي الصُّورَةِ فَسُمُّوا بِالْكَثِيرِ ذَهَابًا إِلَى الْحَقِيقَةِ.

الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ: قَالَ الْفَرَّاءُ: الْفَاسِقُ أَصْلُهُ مِنْ قَوْلِهِمْ فَسَقَتِ الرَّطْبَةُ مِنْ قِشْرِهَا أَيْ خَرَجَتْ، فَكَأَنَّ الْفَاسِقَ هُوَ الْخَارِجُ عَنِ الطَّاعَةِ، وَتُسَمَّى الْفَأْرَةُ فُوَيْسِقَةٌ لِخُرُوجِهَا لِأَجْلِ الْمَضَرَّةِ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْقِبْلَةِ فِي أَنَّهُ هَلْ