وَثَالِثُهَا: الْحِكْمَةُ بِمَعْنَى النُّبُوَّةِ فِي [النِّسَاءِ: ٥٤] فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ، يعني النبوة وفي [ص:
٢٠] وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ يَعْنِي النُّبُوَّةَ وَفِي [الْبَقَرَةِ: ٢٥١] وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ، وَرَابِعُهَا: الْقُرْآنُ فِي النَّحْلِ ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ [النَّحْلِ: ١٢٥] وَفِي الْبَقَرَةِ: وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً [الْبَقَرَةِ: ٢٦٩] وَجَمِيعُ هَذِهِ الْوُجُوهِ عِنْدَ التَّحْقِيقِ تَرْجِعُ إِلَى الْعِلْمِ ثُمَّ تَفَكَّرْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا أَعْطَى مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا الْقَلِيلَ قَالَ: وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الْإِسْرَاءِ: ٨٥] وَسَمَّى الدُّنْيَا بِأَسْرِهَا قَلِيلًا قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ [النِّسَاءِ: ٧٧] فَمَا سَمَّاهُ قَلِيلًا لَا يُمْكِنُنَا أَنْ نُدْرِكَ كَمِّيَّتَهُ فَمَا ظَنُّكَ بِمَا سَمَّاهُ كَثِيرًا. ثُمَّ الْبُرْهَانُ الْعَقْلِيُّ عَلَى قِلَّةِ الدُّنْيَا وَكَثْرَةِ الْحِكْمَةِ أَنَّ الدُّنْيَا مُتَنَاهِي الْقَدْرِ مُتَنَاهِي الْعَدَدِ مُتَنَاهِي الْمُدَّةِ. وَالْعِلْمُ لَا نِهَايَةَ لِقَدْرِهِ، وَعَدَدِهِ وَمُدَّتِهِ وَلَا لِلسِّعَادَاتِ الْحَاصِلَةِ مِنْهُ، وَذَلِكَ يُنَبِّهُكَ عَلَى فَضِيلَةِ الْعِلْمِ. الثَّانِي: قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ [الزُّمَرِ: ٩] وَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَ سَبْعِ نَفَرٍ فِي كِتَابِهِ فَرَّقَ بَيْنَ الْخَبِيثِ وَالطَّيِّبِ فَقَالَ: قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ [الْمَائِدَةِ: ١٠٠] يَعْنِي الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْأَعْمَى وَالْبَصِيرِ فَقَالَ: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ [الأنعام: ٥٠] وَفَرَّقَ بَيْنَ النُّورِ وَالظُّلْمَةِ فَقَالَ: أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ [الرَّعْدِ: ١٦] وَفَرَّقَ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَبَيْنَ الظِّلِّ وَالْحَرُورِ، وَإِذَا تَأَمَّلْتَ وَجَدْتَ كُلَّ ذَلِكَ مَأْخُوذًا مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْعَالِمِ وَالْجَاهِلِ.
الثَّالِثُ: قَوْلُهُ: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [النِّسَاءِ: ٥٩] وَالْمُرَادُ مِنْ أُولِي الْأَمْرِ الْعُلَمَاءُ فِي أَصَحِّ الْأَقْوَالِ لِأَنَّ الْمُلُوكَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ طَاعَةُ الْعُلَمَاءِ وَلَا يَنْعَكِسُ، ثُمَّ انْظُرْ إِلَى هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ فَإِنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ الْعَالِمِ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ كِتَابِهِ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ قَالَ: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ [آلِ عِمْرَانَ: ١٨] ، وَقَالَ: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى زَادَ فِي الْإِكْرَامِ فَجَعَلَهُمْ فِي الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى فِي آيَتَيْنِ فَقَالَ تَعَالَى: وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ [آلِ عِمْرَانَ: ٧] وَقَالَ:
قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ [الرَّعْدِ: ٤٣] الرَّابِعُ: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ [الْمُجَادَلَةِ: ١١] وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ الدَّرَجَاتِ لِأَرْبَعَةِ أَصْنَافٍ. أَوَّلُهَا: لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ قَالَ: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ [الْأَنْفَالِ: ٢] إِلَى قَوْلِهِ: لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ [الْأَنْفَالِ: ٤] وَالثَّانِيَةُ: لِلْمُجَاهِدِينَ قَالَ: وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ [النِّسَاءِ: ٩٥] .
وَالثَّالِثَةُ: لِلصَّالِحِينَ قَالَ: وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى [طَهَ: ٧٥] .
الرَّابِعَةُ: لِلْعُلَمَاءِ. قَالَ: وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ وَاللَّهُ فَضَّلَ أَهْلَ بَدْرٍ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِدَرَجَاتٍ وَفَضَّلَ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ بِدَرَجَاتٍ وَفَضَّلَ الصَّالِحِينَ عَلَى هَؤُلَاءِ بِدَرَجَاتٍ ثُمَّ فَضَّلَ الْعُلَمَاءَ عَلَى جَمِيعِ الْأَصْنَافِ بِدَرَجَاتٍ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْعُلَمَاءُ أَفْضَلَ النَّاسِ. الْخَامِسُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ [فَاطِرٍ: ٢٨] فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ الْعُلَمَاءَ فِي كِتَابِهِ بِخَمْسِ مَنَاقِبَ، أَحَدُهَا: الْإِيمَانُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ [آلِ عِمْرَانَ: ٧] وَثَانِيهَا: التَّوْحِيدُ والشهادة شَهِدَ اللَّهُ إلى قوله: وَأُولُوا الْعِلْمِ
[آلِ عِمْرَانَ: ١٨] وَثَالِثُهَا: / الْبُكَاءُ وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ [الْإِسْرَاءِ: ١٠٩] . وَرَابِعُهَا: الْخُشُوعُ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ [الْإِسْرَاءِ: ١٠٧] الْآيَةَ. وَخَامِسُهَا: الْخَشْيَةُ إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ أَمَّا الْأَخْبَارُ فَوُجُوهٌ: أَحَدُهَا:
رَوَى ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى عُتَقَاءِ اللَّهِ مِنَ النَّارِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى الْمُتَعَلِّمِينَ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ مُتَعَلِّمٍ يَخْتَلِفُ إِلَى بَابِ عَالِمٍ إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ قَدَمٍ عِبَادَةَ سَنَةٍ وَبَنَى لَهُ بِكُلِّ قَدَمٍ مَدِينَةً فِي الْجَنَّةِ وَيَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ وَالْأَرْضُ تَسْتَغْفِرُ لَهُ وَيُمْسِي وَيُصْبِحُ مَغْفُورًا لَهُ وَشَهِدَتِ الْمَلَائِكَةُ لَهُمْ بِأَنَّهُمْ عُتَقَاءُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute