للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حُصُولُ اللَّوْنِ فِي ذَلِكَ الْحَيِّزِ تَبَعًا لِحُصُولِ مَحَلِّهِ فِيهِ، وَهَذَا أَيْضًا إِنَّمَا يُعْقَلُ فِي حَقِّ الْأَجْسَامِ لَا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى. وَثَالِثُهَا: حُصُولُهُ فِي الشَّيْءِ عَلَى مِثَالِ حُصُولِ الصِّفَاتِ الْإِضَافِيَّةِ لِلذَّوَاتِ فَنَقُولُ: هَذَا أَيْضًا بَاطِلٌ لِأَنَّ الْمَعْقُولَ مِنْ هَذِهِ التَّبَعِيَّةِ الِاحْتِيَاجُ فَلَوْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى فِي شَيْءٍ بِهَذَا الْمَعْنَى لَكَانَ مُحْتَاجًا فَكَانَ مُمْكِنًا فَكَانَ مُفْتَقِرًا إِلَى الْمُؤَثِّرِ، وَذَلِكَ مُحَالٌ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَفْسِيرُ هَذَا الْحُلُولِ بِمَعْنًى مُلَخَّصٍ يُمْكِنُ إِثْبَاتُهُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى امْتَنَعَ إِثْبَاتُهُ. الْمَقَامُ الثَّانِي: احْتَجَّ الْأَصْحَابُ عَلَى نَفْيِ الْحُلُولِ مُطْلَقًا بِأَنْ قَالُوا: لَوْ حَلَّ

لَحَلَّ، إِمَّا مَعَ وُجُوبِ أَنْ يَحِلَّ أَوْ مَعَ جَوَازِ أَنْ يَحِلَّ وَالْقِسْمَانِ بَاطِلَانِ، فَالْقَوْلُ بِالْحُلُولِ بَاطِلٌ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحِلَّ مَعَ وُجُوبِ أَنْ يَحِلَّ لِأَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي إِمَّا حُدُوثَ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ قِدَمَ الْمَحَلِّ وَكَلَاهُمَا بَاطِلَانِ، لِأَنَّا دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ اللَّهَ قَدِيمٌ. وَعَلَى أَنَّ الْجِسْمَ مُحْدَثٌ، وَلِأَنَّهُ لَوْ حَلَّ مَعَ وُجُوبِ أَنْ يَحِلَّ لَكَانَ مُحْتَاجًا إِلَى الْمَحَلِّ وَالْمُحْتَاجُ إِلَى الْغَيْرِ مُمْكِنٌ لِذَاتِهِ لَا يَكُونُ وَاجِبًا لِذَاتِهِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحِلَّ مَعَ جَوَازِ أَنْ يَحِلَّ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ ذَاتُهُ وَاجِبَةَ الْوُجُودِ لذاته وَحُلُولُهُ فِي الْمَحَلِّ أَمْرٌ جَائِزٌ، وَالْمَوْصُوفُ بِالْوُجُوبِ غَيْرُ مَا هُوَ مَوْصُوفٌ بِالْجَوَازِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ حُلُولُهُ فِي الْمَحَلِّ أَمْرًا زَائِدًا عَلَى ذَاتِهِ وَذَلِكَ مُحَالٌ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ حُلُولَهُ فِي الْمَحَلِّ لَوْ كَانَ زَائِدًا عَلَى ذَاتِهِ لَكَانَ حُلُولُ ذَلِكَ الزَّائِدِ فِي مَحَلِّهِ زَائِدًا عَلَى ذَاتِهِ أَوْ لَزِمَ التَّسَلْسُلُ وَهُوَ مُحَالٌ. وَالثَّانِي: أَنَّ حُلُولَهُ فِي ذَلِكَ لَمَّا كَانَ زَائِدًا عَلَى ذَاتِهِ فَإِذَا حَلَّ فِي مَحَلٍّ وَجَبَ أَنْ يَحِلَّ فِيهِ صِفَةٌ مُحْدَثَةٌ، وَذَلِكَ مُحَالٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَابِلًا لِلْحَوَادِثِ/ لَكَانَتْ تِلْكَ الْقَابِلِيَّةُ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ، وَكَانَتْ حَاصِلَةً أَزَلًا، وَذَلِكَ مُحَالٌ لِأَنَّ وُجُودَ الْحَوَادِثِ فِي الْأَزَلِ مُحَالٌ، فَحُصُولُ قَابِلِيَّتِهَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُمْتَنِعَ الْحُصُولِ فَإِنْ قِيلَ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحِلَّ مَعَ وُجُوبِ أَنْ يَحِلَّ. لِأَنَّهُ يَلْزَمُ، إِمَّا حُدُوثُ الْحَالِّ أَوْ قِدَمُ الْمَحَلِّ، قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ وُجُوبَ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، وَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ:

إِنَّ ذَاتَهُ تَقْتَضِي الْحُلُولَ بِشَرْطِ وُجُودِ الْمَحَلِّ فَفِي الْأَزَلِ مَا وُجِدَ الْمَحَلُّ فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ هَذَا الْوُجُوبِ فَلَا جَرَمَ لَمْ يَجِبِ الْحُلُولُ، وَفِيمَا لَا يَزَالُ حَصَلَ هَذَا الشَّرْطُ فَلَا جَرَمَ وَجَبَ سَلَّمْنَا أَنَّهُ يَلْزَمُ، إِمَّا حُدُوثُ الْحَالِّ أَوْ قِدَمُ الْمَحَلِّ فَلِمَ لَا يَجُوزُ. قَوْلُهُ: إِنَّا دَلَّلْنَا عَلَى حُدُوثِ الْأَجْسَامِ، قُلْنَا: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلَكِنَّهُ يَكُونُ عَقْلًا أَوْ نَفْسًا أَوْ هَيُولَى عَلَى مَا يُثْبِتُهُ بَعْضُهُمْ، وَدَلِيلُكُمْ عَلَى حُدُوثِ الْأَجْسَامِ لَا يَقْبَلُ حُدُوثَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، قَوْلُهُ ثَانِيًا: لَوْ حَلَّ مَعَ وُجُوبِ أَنْ يَحِلَّ لَكَانَ مُحْتَاجًا إِلَى الْمَحَلِّ، قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ وُجُوبَ أحد الأمرين بل هاهنا احْتِمَالَانِ آخَرَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْعِلَّةَ وَإِنِ امْتَنَعَ انْفِكَاكُهَا عَنِ الْمَعْلُولِ لَكِنَّهَا لَا تَكُونُ مُحْتَاجَةً إِلَى الْمَعْلُولِ فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ ذَاتَهُ غَنِيَّةٌ عَنْ ذَلِكَ الْمَحَلِّ وَلَكِنَّ ذَاتَهُ تُوجِبُ حُلُولَ نَفْسِهَا فِي ذَلِكَ الْمَعْلُولِ فَيَكُونُ وُجُوبُ حُلُولِهَا فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ مِنْ « «مَعْلُولَاتِ ذَاتِهِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْعِلَّةَ وَإِنِ اسْتَحَالَ انْفِكَاكُهَا عَنِ الْمَعْلُولِ لَكِنَّ ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي احْتِيَاجَهَا إِلَى الْمَعْلُولِ. الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ فِي ذَاتِهِ يَكُونُ غَنِيًّا عَنِ الْمَحَلِّ وَعَنِ الْحُلُولِ، إِلَّا أَنَّ الْمَحَلَّ يُوجِبُ لِذَاتِهِ صِفَةَ الْحُلُولِ، فَالْمُفْتَقِرُ إِلَى الْمَحَلِّ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ وَهِيَ حُلُولُهُ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ فَأَمَّا ذَاتُهُ فَلَا وَلَا يَلْزَمُ مِنَ افْتِقَارِ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ الْإِضَافِيَّةِ إِلَى الْغَيْرِ افْتِقَارُ ذَاتِهِ إِلَى الْغَيْرِ وَذَلِكَ لِأَنَّ جَمِيعَ الصِّفَاتِ الْإِضَافِيَّةِ الْحَاصِلَةِ لَهُ مِثْلَ كَوْنِهِ أَوَّلًا وَآخِرًا وَمُقَارِنًا وَمُؤَثِّرًا وَمَعْلُومًا وَمَذْكُورًا مِمَّا لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا عِنْدَ حُصُولِ التَّحَيُّزِ، وَكَيْفَ لَا وَالْإِضَافَاتُ لَا بُدَّ فِي تَحَقُّقِهَا مِنْ أَمْرَيْنِ، سَلَّمْنَا ذَلِكَ فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحِلَّ مَعَ جَوَازِ أَنْ يَحِلَّ. قَوْلُهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ حُلُولُهُ فِيهِ زَائِدًا عَلَيْهِ، وَيَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ، قُلْنَا: حُلُولُهُ فِي الْمَحَلِّ لَمَّا كَانَ جَائِزًا كَانَ حُلُولُهُ فِي الْمَحَلِّ زَائِدًا عَلَيْهِ. أَمَّا كَوْنُ ذَلِكَ الْحُلُولِ حَالًّا فِي الْمَحَلِّ أَمْرٌ وَاجِبٌ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ حُلُولُ الْحُلُولِ زَائِدًا عَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ. قَوْلُهُ ثَانِيًا: يَلْزَمُ أَنْ يَصِيرَ مَحَلَّ الْحَوَادِثِ، قُلْنَا: لِمَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ قَوْلُهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ قَابِلًا لِلْحَوَادِثِ

<<  <  ج: ص:  >  >>