للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ اللَّه تَعَالَى آتَاهُ الْعَصَا وَالْيَدَ وَحَلَّ عُقْدَةَ لِسَانِهِ وَذَلِكَ أَيْضًا مُعْجِزٌ فَكَانَتِ الْآيَاتُ ثَلَاثَةً هَذَا هُوَ شَرْحُ الْأَمْرِ أَمَّا النَّهْيُ فَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي الْوَنْيُ الْفُتُورُ وَالتَّقْصِيرُ وَقُرِئَ وَلَا تِنِيَا بِكَسْرِ حَرْفِ الْمُضَارَعَةِ لِلِاتِّبَاعِ ثُمَّ قِيلَ فِيهِ أَقْوَالٌ: أَحَدُهَا: الْمَعْنَى لَا تَنِيَا بَلِ اتَّخِذَا ذِكْرِيَ آلَةً لِتَحْصِيلِ الْمَقَاصِدِ وَاعْتَقِدَا أَنَّ أَمْرًا مِنَ الْأُمُورِ لَا يَتَمَشَّى لِأَحَدٍ إِلَّا بِذِكْرِي وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ مَنْ ذَكَرَ جَلَالَ اللَّه اسْتَحْقَرَ غَيْرَهُ فَلَا يَخَافُ أَحَدًا وَلِأَنَّ مَنْ ذَكَرَ جَلَالَ اللَّه تَقْوَى رُوحُهُ بِذَلِكَ الذِّكْرِ فَلَا يَضْعُفُ فِي الْمَقْصُودِ، وَلِأَنَّ ذَاكِرَ اللَّه تَعَالَى لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ ذَاكِرًا لِإِحْسَانِهِ وَذَاكِرُ إِحْسَانِهِ لَا يَفْتُرُ فِي أَدَاءِ أَوَامِرِهِ. وَثَانِيهَا: الْمُرَادُ بِالذِّكْرِ تَبْلِيغُ الرِّسَالَةِ فَإِنَّ الذِّكْرَ يَقَعُ عَلَى كُلِّ الْعِبَادَاتِ وَتَبْلِيغُ الرِّسَالَةِ مِنْ أَعْظَمِهَا فَكَانَ جَدِيرًا بِأَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ اسْمُ الذِّكْرِ. وَثَالِثُهَا: قَوْلُهُ: وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي عِنْدَ فِرْعَوْنَ وَكَيْفِيَّةُ الذِّكْرِ هُوَ أَنْ يَذْكُرَا لِفِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ أَنَّ اللَّه تَعَالَى لَا يَرْضَى مِنْهُمْ بِالْكُفْرِ وَيَذْكُرَا لَهُمْ أَمْرَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ. وَرَابِعُهَا: أَنْ يَذْكُرَا لِفِرْعَوْنَ آلَاءَ اللَّه وَنَعْمَاءَهُ وَأَنْوَاعَ إِحْسَانِهِ إِلَيْهِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى وَفِيهِ سُؤَالَانِ: الْأَوَّلُ: مَا الْفَائِدَةُ فِي ذَلِكَ بَعْدَ قَوْلِهِ: اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي قَالَ الْقَفَّالُ فِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّ قَوْلَهُ: اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا/ مَأْمُورًا بِالذَّهَابِ عَلَى الِانْفِرَادِ فَقِيلَ مَرَّةً أُخْرَى اذْهَبَا لِيَعْرِفَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ أَنْ يَشْتَغِلَا بِذَلِكَ جَمِيعًا لَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ هَارُونُ دُونَ مُوسَى. وَالثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ: اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي أَمْرٌ بِالذَّهَابِ إِلَى كُلِّ النَّاسِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقَوْمِ فِرْعَوْنَ، ثُمَّ إِنَّ قَوْلَهُ: اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ أَمْرٌ بِالذَّهَابِ إِلَى فِرْعَوْنَ وَحْدَهُ.

السُّؤَالُ الثَّانِي: قَوْلُهُ: اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ خِطَابٌ مَعَ مُوسَى وَهَارُونَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ وَهَذَا مُشْكِلٌ لِأَنَّ هَارُونَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا هُنَاكَ وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قَالَا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى [طه: ٤٥] أَجَابَ الْقَفَّالُ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ. أَحَدُهَا: أَنَّ الْكَلَامَ كَانَ مَعَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَحْدَهُ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ مَتْبُوعَ هَارُونَ فَجُعِلَ الْخِطَابُ مَعَهُ خِطَابًا مَعَ هَارُونَ وَكَلَامُ هَارُونَ عَلَى سَبِيلِ التَّقْدِيرِ فَالْخِطَابُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَإِنْ كَانَ مَعَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَحْدَهُ إِلَّا أَنَّهُ تَعَالَى أَضَافَهُ إِلَيْهِمَا كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً [الْبَقَرَةِ: ٧٢] وَقَوْلِهِ: لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ [الْمُنَافِقُونَ: ٨] وَحُكِيَ أَنَّ الْقَائِلَ هُوَ عَبْدُ اللَّه بْنُ أُبَيٍّ وَحْدَهُ. وَثَانِيهَا: يُحْتَمَلُ أَنَّ اللَّه تَعَالَى لما قال: قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى سَكَتَ حَتَّى لَقِيَ أَخَاهُ، ثُمَّ إِنَّ اللَّه تَعَالَى خَاطَبَهُمَا بِقَوْلِهِ: اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ. وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ حُكِيَ أَنَّهُ فِي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَحَفْصَةَ: قَالَ رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَيْ قَالَ مُوسَى: أَنَا وَأَخِي نَخَافُ فِرْعَوْنَ أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً فَفِيهِ سُؤَالَانِ:

السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: لِمَ أَمَرَ اللَّه تَعَالَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِاللِّينِ مَعَ الْكَافِرِ الْجَاحِدِ. الْجَوَابُ لِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ:

أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ قَدْ رَبَّاهُ فِرْعَوْنُ فَأَمَرَهُ أَنْ يُخَاطِبَهُ بِالرِّفْقِ رِعَايَةً لِتِلْكَ الْحُقُوقِ وَهَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى نِهَايَةِ تَعْظِيمِ حَقِّ الْأَبَوَيْنِ. الثَّانِي: أَنَّ مِنْ عَادَةِ الْجَبَابِرَةِ إِذَا غُلِّظَ لَهُمْ فِي الْوَعْظِ أَنْ يَزْدَادُوا عُتُوًّا وَتَكَبُّرًا، وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْبَعْثَةِ حُصُولُ النَّفْعِ لَا حُصُولُ زِيَادَةِ الضَّرَرِ فَلِهَذَا أَمَرَ اللَّه تَعَالَى بِالرِّفْقِ.

السُّؤَالُ الثَّانِي: كَيْفَ كَانَ ذَلِكَ الْكَلَامُ اللَّيِّنُ. الْجَوَابُ: ذَكَرُوا فِيهِ وُجُوهًا. أَحَدُهَا: مَا حَكَى اللَّه تَعَالَى بَعْضَهُ فَقَالَ: هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى [النَّازِعَاتِ: ١٨، ١٩] وَذَكَرَ أَيْضًا فِي هَذِهِ السُّورَةِ بَعْضَ ذَلِكَ فَقَالَ: فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ إِلَى قَوْلِهِ: وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى [طه: ٤٧] . وَثَانِيهَا: أَنْ تَعِدَاهُ شَبَابًا لَا يَهْرَمُ بَعْدَهُ وَمُلْكًا لَا يُنْزَعُ مِنْهُ إِلَّا بِالْمَوْتِ وَأَنْ يَبْقَى لَهُ لَذَّةُ الْمَطْعَمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>