أَدْرَكَهُ أَوَّلًا فَهَذَا هُوَ الْمَعْرِفَةُ فَيُقَالُ: عَرَفْتُ هَذَا الرَّجُلَ وَهُوَ فُلَانٌ الَّذِي كُنْتُ رَأَيْتُهُ وَقْتَ كَذَا. ثُمَّ فِي النَّاسِ مَنْ يَقُولُ بِقِدَمِ الْأَرْوَاحِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بِتَقَدُّمِهَا عَلَى الْأَبْدَانِ وَيَقُولُ إِنَّهَا هِيَ الذَّرُّ الْمُسْتَخْرَجُ مِنْ صُلْبِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَإِنَّهَا أَقَرَّتْ بِالْإِلَهِيَّةِ وَاعْتَرَفَتْ بِالرُّبُوبِيَّةِ إِلَّا أَنَّهَا لِظُلْمَةِ الْعَلَاقَةِ الْبَدَنِيَّةِ نَسِيَتْ مَوْلَاهَا فَإِذَا عَادَتْ إِلَى نَفْسِهَا مُتَخَلِّصَةً مِنْ ظُلْمَةِ الْبَدَنِ وَهَاوِيَةِ الْجِسْمِ عَرَفَتْ رَبَّهَا وَعَرَفَتْ أَنَّهَا كَانَتْ عَارِفَةً بِهِ فَلَا جَرَمَ سُمِّيَ هَذَا الْإِدْرَاكُ عِرْفَانًا. وَثَامِنُهَا: الْفَهْمُ وَهُوَ تُصَوُّرُ الشَّيْءِ مِنْ لَفْظِ الْمُخَاطَبِ وَالْإِفْهَامُ هُوَ اتِّصَالُ الْمَعْنَى بِاللَّفْظِ إِلَى فَهْمِ السَّامِعِ، وَتَاسِعُهَا: الْفِقْهُ وَهُوَ الْعِلْمُ بِغَرَضِ الْمُخَاطَبِ مِنْ خِطَابِهِ يُقَالُ فَقِهْتُ كَلَامَكَ أَيْ وَقَفْتُ عَلَى غَرَضِكَ مِنْ هَذَا الْخِطَابِ ثُمَّ إِنَّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ لَمَّا كَانُوا أَرْبَابَ الشُّبُهَاتِ وَالشَّهَوَاتِ فَمَا كَانُوا يَقِفُونَ عَلَى مَا فِي تَكَالِيفِ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْمَنَافِعِ الْعَظِيمَةِ لَا جَرَمَ قَالَ تَعَالَى: لَا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا [الْكَهْفِ: ٩٣] أَيْ لَا يَقِفُونَ عَلَى الْمَقْصُودِ الْأَصْلِيِّ وَالْغَرَضِ الْحَقِيقِيِّ. وَعَاشِرُهَا: الْعَقْلُ وَهُوَ الْعِلْمُ بِصِفَاتِ الْأَشْيَاءِ مِنْ حُسْنِهَا وَقُبْحِهَا وَكَمَالِهَا وَنُقْصَانِهَا فَإِنَّكَ مَتَى عَلِمْتَ مَا فِيهَا مِنَ الْمَضَارِّ وَالْمَنَافِعِ صَارَ عِلْمُكَ بِمَا فِي/ الشَّيْءِ مِنَ النَّفْعِ دَاعِيًا لَكَ إِلَى الْفِعْلِ وَعِلْمُكَ بِمَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ دَاعِيًا لَكَ إِلَى التَّرْكِ فَصَارَ ذَلِكَ الْعِلْمُ مَانِعًا مِنَ الْفِعْلِ مَرَّةً وَمِنَ التَّرْكِ أُخْرَى فَيَجْرِي ذَلِكَ الْعِلْمُ مَجْرَى عِقَالِ النَّاقَةِ. وَلِهَذَا لَمَّا سُئِلَ بَعْضُ الصَّالِحِينَ عَنِ الْعَقْلِ، قَالَ هُوَ الْعِلْمُ بِخَيْرِ الْخَيْرَيْنِ وَشَرِّ الشَّرَّيْنِ وَلَمَّا سُئِلَ عَنِ الْعَاقِلِ قَالَ الْعَاقِلُ مَنْ عَقَلَ عَنِ اللَّهِ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ، فَهَذَا هُوَ الْقَدْرُ اللَّائِقُ بِهَذَا الْمَكَانِ وَالِاسْتِقْصَاءُ فِيهِ يَجِيءُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. الْحَادِيَ عَشَرَ: الدراية وهي المعرفة الحاصلة بِضَرْبٍ مِنَ الْحِيَلِ وَهُوَ تَقْدِيمُ الْمُقَدِّمَاتِ وَاسْتِعْمَالُ الرواية وَأَصْلُهُ مِنْ دَرَيْتُ الصَّيْدَ وَالدُّرِّيَّةُ لِمَا يُتَعَلَّمُ عَلَيْهِ الطَّعْنُ وَالْمِدْرَى يُقَالُ لِمَا يُصْلَحُ بِهِ الشَّعْرُ وَهَذَا لَا يَصِحُّ إِطْلَاقُهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لِامْتِنَاعِ الْفِكْرِ وَالْحِيَلِ عَلَيْهِ تَعَالَى. الثَّانِيَ عَشَرَ: الْحِكْمَةُ: وَهِيَ اسْمٌ لِكُلِّ عِلْمٍ حَسَنٍ، وَعَمَلٍ صَالِحٍ وَهُوَ بِالْعِلْمِ الْعَمَلِيِّ أَخَصُّ مِنْهُ بِالْعِلْمِ النَّظَرِيِّ وَفِي الْعَمَلِ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا مِنْهُ فِي الْعِلْمِ، وَمِنْهَا يُقَالُ أَحْكَمَ الْعَمَلَ إِحْكَامًا إِذَا أَتْقَنَهُ وَحَكَمَ بِكَذَا حُكْمًا وَالْحِكْمَةُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى خَلْقُ مَا فِيهِ مَنْفَعَةُ الْعِبَادِ وَمَصْلَحَتُهُمْ فِي الْحَالِ وَفِي الْمَآلِ وَمِنَ الْعِبَادِ أَيْضًا كَذَلِكَ ثُمَّ قَدْ حُدَّتِ الْحِكْمَةُ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ فَقِيلَ هِيَ مَعْرِفَةُ الْأَشْيَاءِ بِحَقَائِقِهَا، وَهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ إِدْرَاكَ الْجُزْئِيَّاتِ لَا كَمَالَ فِيهِ لِأَنَّهَا إِدْرَاكَاتٌ مُتَغَيِّرَةٌ. فَأَمَّا إِدْرَاكُ الْمَاهِيَّةِ، فَإِنَّهُ بَاقٍ مَصُونٌ عَنِ التَّغَيُّرِ وَالتَّبَدُّلِ وَقِيلَ هِيَ الْإِتْيَانُ بِالْفِعْلِ الَّذِي عَاقِبَتُهُ مَحْمُودَةٌ وَقِيلَ هِيَ الِاقْتِدَاءُ بِالْخَالِقِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي السِّيَاسَةِ بِقَدْرِ الطَّاقَةِ الْبَشَرِيَّةِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَجْتَهِدَ بِأَنْ يُنَزِّهَ عِلْمَهُ عَنِ الْجَهْلِ وَفِعْلَهُ عَنِ الْجَوْرِ وَجُودَهُ عَنِ الْبُخْلِ وَحِلْمَهُ عَنِ السَّفَهِ. الثَّالِثَ عَشَرَ: عِلْمُ
الْيَقِينِ وَعَيْنُ الْيَقِينِ وَحَقُّ الْيَقِينِ قَالُوا إِنَّ الْيَقِينَ لَا يَحْصُلُ إِلَّا إِذَا اعْتَقَدَ أَنَّ الشَّيْءَ كَذَا وَأَنَّهُ يَمْتَنِعُ كَوْنُ الْأَمْرِ بِخِلَافِ مُعْتَقَدِهِ إِذَا كَانَ لِذَلِكَ الِاعْتِقَادِ مُوجِبٌ هُوَ إِمَّا بَدِيهِيَّةُ الْفِطْرَةِ وَإِمَّا نَظَرُ الْعَقْلِ، الرَّابِعَ عَشَرَ: الذِّهْنُ وَهُوَ قُوَّةُ النَّفْسِ عَلَى اكْتِسَابِ الْعُلُومِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ حَاصِلَةٍ وَتَحْقِيقُ الْقَوْلِ فِيهِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَلَقَ الرُّوحَ خَالِيًا عَنْ تَحْقِيقِ الْأَشْيَاءِ وَعَنِ الْعِلْمِ بِهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئاً [النحل: ٧٨] لَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِنَّمَا خَلَقَهَا لِلطَّاعَةِ عَلَى مَا قَالَ تَعَالَى: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذَّارِيَاتِ: ٥٦] وَالطَّاعَةُ مَشْرُوطَةٌ بِالْعِلْمِ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه: ١٤] فَبَيَّنَ أَنَّهُ أَمْرٌ بِالطَّاعَةِ لِغَرَضِ الْعِلْمِ وَالْعِلْمُ لَا بُدَّ مِنْهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ النَّفْسُ مُتَمَكِّنَةً مِنْ تَحْصِيلِ هَذِهِ الْمَعَارِفِ وَالْعُلُومِ فَأَعْطَاهُ الْحَقُّ سُبْحَانَهُ مِنَ الْحَوَاسِّ مَا أَعَانَ عَلَى تَحْصِيلِ هَذَا الْغَرَضِ فَقَالَ فِي السَّمْعِ: وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ [الْبَلَدِ: ١٠] وَقَالَ فِي الْبَصَرِ: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ [فُصِّلَتْ: ٥٣] وَقَالَ فِي الْفِكْرِ: وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذَّارِيَاتِ: ٢١] فَإِذَا تَطَابَقَتْ هَذِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute