للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَرَدٌّ عَلَيْكَ، وَأَمَّا ابْنُكَ فَإِنَّ عَلَيْهِ جَلْدَ مِائَةٍ وَتَغْرِيبَ عَامٍ، ثم قال لِرَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ اغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا»

وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّه عَلَى نَفْيِ التَّغْرِيبِ بِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ إِيجَابَ التَّغْرِيبِ يَقْتَضِي نَسْخَ الْآيَةِ وَنَسْخُ الْقُرْآنِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَا يَجُوزُ وَقَرَّرُوا النَّسْخَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ رَتَّبَ الْجَلْدَ عَلَى فِعْلِ الزِّنَا بِالْفَاءِ وَحَرْفُ الْفَاءِ لِلْجَزَاءِ إِلَّا أَنَّ أَئِمَّةَ اللُّغَةِ قَالُوا الْيَمِينُ بِغَيْرِ اللَّه ذِكْرُ شَرْطٍ وَجَزَاءٍ وَفَسَّرُوا الشَّرْطَ بِالَّذِي دَخَلَ عَلَيْهِ كَلِمَةُ إِنَّ وَالْجَزَاءَ بِالَّذِي دَخَلَ عليه حرف الفاء والجزاء اسم له يَقَعُ بِهِ الْكِفَايَةُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ جَازَيْنَاهُ أَيْ كَافَأْنَاهُ،

وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «تُجْزِيكَ وَلَا تُجْزِي أَحَدًا بَعْدَكَ»

أَيْ تَكْفِيكَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْقَائِلِ: اجْتَزْتُ الْإِبِلَ بِالْعُشْبِ بِالْمَاءِ وَإِنَّمَا تَقَعُ الْكِفَايَةُ بِالْجَلْدِ إِذَا لَمْ يَجِبْ مَعَهُ شَيْءٌ آخَرُ فَإِيجَابُ شَيْءٍ آخَرَ يَقْتَضِي نَسْخَ كَوْنِهِ كَافِيًا الثَّانِي: أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ لَمَّا كان هو الجلد فقط كَانَ ذَلِكَ كَمَالَ الْحَدِّ فَلَوْ جَعَلْنَا النَّفْيَ مُعْتَبَرًا مَعَ الْجَلْدِ لَكَانَ الْجَلْدُ بَعْضَ الْحَدِّ لَا كُلَّ الْحَدِّ فَيُفْضِي إِلَى نَسْخِ كَوْنِهِ كُلَّ الْحَدِّ الثَّالِثُ: أَنَّ بِتَقْدِيرِ كَوْنِ الْجَلْدِ كَمَالَ الْحَدِّ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ رَدُّ الشَّهَادَةِ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ بَعْضَ الْحَدِّ لَزَالَ ذَلِكَ الْحُكْمُ، فَثَبَتَ أَنَّ إِيجَابَ التَّغْرِيبِ يَقْتَضِي نَسْخَ الْآيَةِ ثَانِيهَا: قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ لَوْ كَانَ النَّفْيُ مَشْرُوعًا مَعَ الْجَلْدِ لَوَجَبَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ تِلَاوَةِ الْآيَةِ تَوْقِيفُ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ لِئَلَّا يَعْتَقِدُوا عِنْدَ سَمَاعِ الْآيَةِ أَنَّ الْجَلْدَ هُوَ كَمَالُ الْحَدِّ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ اشْتِهَارُهُ مِثْلَ اشْتِهَارِ الْآيَةِ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ خَبَرُ النَّفْيِ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ بَلْ كَانَ وُرُودُهُ مِنْ طَرِيقِ الْآحَادِ عُلِمَ أَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَثَالِثُهَا: مَا

رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْأَمَةِ: «إِذَا زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا فَإِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، فَإِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ بِيعُوهَا وَلَوْ بِطَفِيرٍ»

وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ وَلَا تَثْرِيبَ عَلَيْهِ»

وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ النَّفْيُ ثَابِتًا لَذَكَرَهُ مَعَ الْجَلْدِ وَرَابِعُهَا: أَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُشْرَعَ التَّغْرِيبُ فِي حَقِّ الْأَمَةِ أَوْ لَا يُشْرَعَ، وَلَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ مَشْرُوعًا لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ الْإِضْرَارُ بِالسَّيِّدِ مِنْ غَيْرِ جِنَايَةٍ صَدَرَتْ مِنْهُ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ، وَلِأَنَّهُ

قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بِيعُوهَا وَلَوْ بَطَفِيرٍ»

وَلَوْ وَجَبَ نَفْيُهَا لَمَا جَازَ بَيْعُهَا لِأَنَّ الْمُكْنَةَ مِنْ تَسْلِيمِهَا إِلَى الْمُشْتَرِي لَا تَبْقَى بِالنَّفْيِ وَلَا جَائِزَ أَنْ لَا يَكُونَ مَشْرُوعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ [النِّسَاءِ: ٢٥] وَخَامِسُهَا: أَنَّ التَّغْرِيبَ لَوْ كَانَ مَشْرُوعًا فِي حَقِّ الرَّجُلِ لَكَانَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَشْرُوعًا فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ أَوْ لَا يَكُونَ، وَالثَّانِي بَاطِلٌ لِأَنَّ التَّسَاوِيَ فِي الْجِنَايَةِ قَدْ وُجِدَ فِي حَقِّهِمَا، وَإِنْ كَانَ مَشْرُوعًا فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَشْرُوعًا فِي حَقِّهَا وَحْدَهَا أَوْ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ وَالْأَوَّلُ غَيْرُ جَائِزٍ لِلنَّصِّ وَالْمَعْقُولِ، أَمَّا النَّصُّ

فَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ أَنْ تُسَافِرَ مِنْ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ»

وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَهُوَ أَنَّ/ الشَّهْوَةَ غَالِبَةٌ فِي النِّسَاءِ، وَالِانْزِجَارُ بِالدِّينِ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْخَوَاصِّ مِنَ النَّاسِ، فَإِنَّ الْغَالِبَ لِعَدَمِ الزِّنَا مِنَ النِّسَاءِ بِوُجُودِ الْحُفَّاظِ مِنَ الرِّجَالِ، وَحَيَائِهِنَّ مِنَ الْأَقَارِبِ. وَبِالتَّغْرِيبِ تَخْرُجُ الْمَرْأَةُ مِنْ أَيْدِي الْقُرَبَاءِ وَالْحُفَّاظِ، ثُمَّ يَقِلُّ حَيَاؤُهَا لِبُعْدِهَا عَنْ مَعَارِفِهَا فَيَنْفَتِحُ عَلَيْهَا بَابُ الزِّنَا، فَرُبَّمَا كَانَتْ فَقِيرَةً فَيَشْتَدُّ فَقْرُهَا فِي السَّفَرِ، فَيَصِيرُ مَجْمُوعُ ذَلِكَ سَبَبًا لِفَتْحِ بَابِ هَذِهِ الْفَاحِشَةِ الْعَظِيمَةِ عَلَيْهَا. وَلَا جَائِزَ أَنْ يُقَالَ إِنَّا نُغَرِّبُهَا مَعَ الزَّوْجِ أَوِ الْمَحْرَمِ، لِأَنَّ عُقُوبَةَ غَيْرِ الْجَانِي لَا تَجُوزُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى [الْأَنْعَامِ:

١٦٤] وَسَادِسُهَا: مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ غَرَّبَ رَبِيعَةَ بْنَ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ فِي الْخَمْرِ إِلَى خَيْبَرَ فَلَحِقَ بِهِرَقْلَ، فَقَالَ عُمَرُ لَا أُغَرِّبُ بَعْدَهَا أَحَدًا وَلَمْ يَسْتَثْنِ الزِّنَا.

وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ فِي الْبِكْرَيْنِ إِذَا زَنَيَا يُجْلَدَانِ وَلَا يُنْفَيَانِ وَإِنَّ نَفْيَهُمَا مِنَ الْفِتْنَةِ،

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ أَمَةً لَهُ زَنَتْ فَجَلَدَهَا وَلَمْ يَنْفِهَا، وَلَوْ كَانَ النَّفْيُ مُعْتَبَرًا فِي حَدِّ الزِّنَا لَمَا خَفِيَ ذَلِكَ عَلَى أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ وَسَابِعُهَا: مَا

رُوِيَ «أَنَّ شَيْخًا وُجِدَ عَلَى بَطْنِ جَارِيَةٍ يَحْنَثُ بِهَا فِي خَرِبَةٍ فَأُتِيَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ اجْلِدُوهُ مِائَةً، فَقِيلَ إِنَّهُ ضَعِيفٌ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ خُذُوا عِثْكَالًا فِيهِ مِائَةُ شِمْرَاخٍ فَاضْرِبُوهُ بِهَا وخلوا

<<  <  ج: ص:  >  >>