للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَبِيلَهُ» .

وَلَوْ كَانَ النَّفْيُ وَاجِبًا لَنَفَاهُ، فَإِنْ قِيلَ إِنَّمَا لَمْ يَنْفِهِ لِأَنَّهُ كَانَ ضَعِيفًا عَاجِزًا عَنِ الْحَرَكَةِ، قُلْنَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُكْتَرَى لَهُ دَابَّةٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ يُنْفَى عَلَيْهَا. فَإِنْ قِيلَ كَانَ عَسَى يَضْعُفُ عَنِ الرُّكُوبِ، قُلْنَا مَنْ قَدَرَ عَلَى الزِّنَا كَيْفَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الِاسْتِمْسَاكِ! وَثَامِنُهَا: أَنَّ التَّغْرِيبَ نَظِيرُ الْقَتْلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ فَنَزَّلَهُمَا مَنْزِلَةً وَاحِدَةً، فَإِذَا لَمْ يُشْرَعَ الْقَتْلُ فِي زِنَا الْبِكْرِ وَجَبَ أَنْ لَا يُشْرَعَ أَيْضًا نَظِيرُهُ وَهُوَ التَّغْرِيبُ.

وَالْجَوَابُ: عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ اللَّه تَعَالَى إِلَّا إِدْخَالُ حَرْفِ الْفَاءِ عَلَى الْأَمْرِ بِالْجَلْدِ، فَأَمَّا أَنَّ الَّذِي دَخَلَ عَلَيْهِ هَذَا الْحَرْفُ فَإِنَّهُ يُسَمَّى جَزَاءً، فَلَيْسَ هَذَا مِنْ كَلَامِ اللَّه وَلَا مِنْ كَلَامِ رَسُولِهِ، بَلْ هُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْأُدَبَاءِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً.

أَمَّا قَوْلُهُ ثَانِيًا: لَوْ كَانَ النَّفْيُ مَشْرُوعًا لَمَا كَانَ الْجَلْدُ كُلَّ الْحَدِّ، فَنَقُولُ لَا نِزَاعَ فِي أَنَّهُ زَالَ أَمْرُهُ لِأَنَّ إِثْبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ لَا أَقَلُّ مِنْ أَنْ يَقْتَضِيَ زَوَالَ عَدَمِهِ الَّذِي كَانَ، إِلَّا أَنَّ الزَّائِلَ هَاهُنَا لَيْسَ حُكْمًا شَرْعِيًّا، بَلِ الزَّائِلُ مَحْضُ الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَمِثْلُ هَذِهِ الْإِزَالَةِ لَا يَمْتَنِعُ إِثْبَاتُهَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّ الزَّائِلَ مَحْضُ الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ، وَذَلِكَ لِأَنَّ إِيجَابَ الْجَلْدِ مَفْهُومٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ إِيجَابِ التَّغْرِيبِ وَبَيْنَ إِيجَابِهِ مَعَ نَفْيِ التَّغْرِيبِ. وَالْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْقِسْمَيْنِ لَا إِشْعَارَ لَهُ بِوَاحِدٍ مِنَ الْقِسْمَيْنِ.

فَإِذَنْ إِيجَابُ الْجَلْدِ لَا إِشْعَارَ فِيهِ الْبَتَّةَ لَا بِإِيجَابِ التَّغْرِيبِ وَلَا بِعَدَمِ إِيجَابِهِ، إِلَّا أَنَّ نَفْيَ التَّغْرِيبِ كَانَ مَعْلُومًا بِالْعَقْلِ نَظَرًا إِلَى الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ، فَإِذَا جَاءَ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَدَلَّ عَلَى وُجُوبِ التَّغْرِيبِ، فَمَا أَزَالَ الْبَتَّةَ شَيْئًا مِنْ مَدْلُولَاتِ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى وُجُوبِ الْجَلْدِ بَلْ أَزَالَ الْبَرَاءَةَ الْأَصْلِيَّةَ، فَأَمَّا كَوْنُ الْجَلْدِ وَحْدَهُ مُجْزِيًا، وَكَوْنُهُ وَحْدَهُ كَمَالَ الْحَدِّ. وَتَعَلَّقَ رَدُّ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ، فَكُلُّ ذَلِكَ تَابِعٌ لِنَفْيِ وُجُوبِ الزِّيَادَةِ. فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ النَّفْيُ مَعْلُومًا بِالْعَقْلِ جَازَ قَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ فِيهِ، كَمَا أَنَّ الْفُرُوضَ لَوْ كَانَتْ خَمْسًا لَتَوَقَّفَ عَلَى أَدَائِهَا الْخُرُوجُ عَنْ عُهْدَةِ التَّكْلِيفِ، وَقَبُولِ الشَّهَادَةِ/ وَلَوْ زِيدَ فِيهَا شَيْءٌ آخَرُ لَتَوَقَّفَ الْخُرُوجُ عَنِ الْعُهْدَةِ وَقَبُولِ الشَّهَادَةِ عَلَى أَدَاءِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ، مَعَ أَنَّهُ يَجُوزُ إِثْبَاتُهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ فَكَذَا هَاهُنَا. أَمَّا لَوْ قَالَ اللَّه تَعَالَى الْجَلْدُ كَمَالُ الْحَدِّ وَعَلِمْنَا أَنَّهَا وَحْدَهَا مُتَعَلِّقُ رَدِّ الشَّهَادَةِ، فَلَا يُقْبَلُ هَاهُنَا فِي إِثْبَاتِ الزِّيَادَةِ خَبَرُ الْوَاحِدِ لِأَنَّ نَفْيَ وُجُوبِ الزِّيَادَةِ ثَبَتَ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ مُتَوَاتِرٍ وَالْجَوَابُ: عَنِ الثَّانِي أَنَّهُ لَوْ صَحَّ مَا ذَكَرَهُ لَوَجَبَ فِي كُلِّ مَا خَصَّصَ آيَةً عَامَّةً أَنْ يَبْلُغَ فِي الِاشْتِهَارِ مَبْلَغَ تِلْكَ الْآيَةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَالْجَوَابُ: عَنِ الثَّالِثِ أَنَّ

قَوْلَهُ: «ثُمَّ بِيعُوهَا»

لَا يُفِيدُ التَّعْقِيبَ فَلَعَلَّهَا تُنْفَى ثُمَّ بَعْدَ النَّفْيِ تُبَاعُ وَالْجَوَابُ: عَنِ الرَّابِعِ أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِمَا

رَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ جَلَدَ وَغَرَّبَ، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ جَلَدَ وَغَرَّبَ

وَالْجَوَابُ: عَنِ الْخَامِسِ أَنَّ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّه فِي تَغْرِيبِ الْعَبْدِ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: لَا يُغَرَّبُ

لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: «إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ»

وَلَمْ يَأْمُرْ بِالتَّغْرِيبِ، وَلِأَنَّ التَّغْرِيبَ لِلْمَعَرَّةِ وَلَا مَعَرَّةَ عَلَى الْعَبْدِ فِيهِ، لِأَنَّهُ يُنْقَلُ مِنْ يَدٍ إِلَى يَدٍ، وَلِأَنَّ مَنَافِعَهُ لِلسَّيِّدِ فَفِي نَفْيِهِ إِضْرَارٌ بِالسَّيِّدِ وَالثَّانِي: وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يُغَرَّبُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ [النِّسَاءِ: ٢٥] وَلَا يُنْظَرُ إِلَى ضَرَرِ الْمَوْلَى كَمَا يُقْتَلُ الْعَبْدُ بِسَبَبِ الرِّدَّةِ وَيُجْلَدُ الْعَبْدُ فِي الزِّنَا وَالْقَذْفِ، وَإِنْ تَضَرَّرَ بِهِ الْمَوْلَى فَعَلَى هَذَا كَمْ يُغَرَّبُ فِيهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: يُغَرَّبُ نِصْفَ سَنَةٍ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ التَّنْصِيفَ كَمَا يُجْلَدُ نِصْفَ حَدِّ الْأَحْرَارِ وَالثَّانِي: يُغَرَّبُ سَنَةً لِأَنَّ التَّغْرِيبَ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْإِيحَاشُ وَذَلِكَ مَعْنًى يَرْجِعُ إِلَى الطَّبْعِ فَيَسْتَوِي فِيهِ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ كَمُدَّةِ الْإِيلَاءِ أَوِ الْعُنَّةِ وَالْجَوَابُ:

عَنِ السَّادِسِ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُغَرَّبُ وَحْدَهَا بَلْ مَعَ مَحْرَمٍ، فَإِنْ لَمْ يَتَبَرَّعِ الْمَحْرَمُ بِالْخُرُوجِ مَعَهَا أُعْطِيَ أُجْرَتَهُ مِنْ بَيْتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>